للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلا، لجواز أنْ يكون من الإسرائيليات، وهو تحوط يدل على أصالة في النقد وَبُعْدِ نظر محمود من المُحَدِّثِينَ.

وَأُحِبُّ أنْ يعلم القارئ الكريم أني كتبت بحثاً مستفيضاً نشر على صفحات " مجلة الأزهر " تحت عنوان «الدخيل وكتب التفسير» أمطت فيها اللثام عن كثير من الإسرائيليات والخرافات التي ألصقت بالإسلام (١).

منهج أَبِي رَيَّةَ في البحث غير علمي:

إنَّ المؤلف جرى في بحثه في الإسرائيليات على أنَّ كل ما روي عن كعب الأحبار ووهب بن منبه وأمثالهما مختلق مكذوب، وأنَّ مروياتهم ليس فيها صدق ولا حق، حتى ولو كان في شريعتنا ما يؤيد هذا المروي ويصدقه.

وهو إسراف في الحُكْم وَتَجَنٍ على الحق والواقع، والعلماء المُحَقِّقُونَ المُتَثَبِّتُونَ على أنَّ ما روي عن أهل الكتاب الذين أسلموا منه ما هو حق وصدق، ومنه ما هو باطل وكذب، ومنه ما هو محتمل لهما، فهذا هو الإمام ابن تيمية - وهو زعيم مدرسة جمعت إلى حفظ الحديث والبراعة فيه والفقاهة في الدين وجودة الفهم وأصالة النقد - يقسم أخبار مسلمة أهل الكتاب إلى ثلاثة أقسام:

أحدها: ما علمنا صحته مِمَّا بأيدينا مِمَّا يشهد له بالصدق فذلك صحيح.

والثاني: ما علمنا كذبه بما عندنا مِمَّا يخالفه.

والثالث: ما هو مسكوت عنه لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل فلا نؤمن به ولا نكذبه، وتجوز حكايته لما تقدم، وغالب ذلك مِمَّا لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني (٢)، ومثل ذلك قال تلميذه ابن كثير في " تفسيره " (٣).


(١) " مجلة الأزهر " في عامي ٧٣، ٧٤ هـ.
(٢) مقدمة " التفسير ": ص ٦٤، طبعة السلفية.
(٣) ١/ ٨، طبعة المنار.