للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما من ناحية المعنى فلا شيء فيه إِلاَّ ما كان من قوله: «وَمَا تَرَدَّدْتُ ... إلخ» وفي القرآن المتواتر وَالسُنَّةِ الصَّحِيحَةِ من أمثال هذا الحديث شيء غير قليل، فلو رددنا هذا بسبب أنه مشكل لرددنا الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية.

وللعلماء في هذا وأمثاله رأيان:

١ - رأي السلف وهو الإيمان به كما ورد مع عدم التمثيل والتكييف وتنزيه الله عن ظاهره المعروف لنا، وتفويض علم معرفة حقيقته إلى الله - عَزَّ وَجَلَّ -.

٢ - رأي الخلف وهم المُؤَوِّلَةِ وقد حملوا الكلام على المجاز وذلك بتمثيل حب الله أولياءه المؤمنين وكراهية إيذائهم وإساءتهم بهذه الصورة المعبرة المفهومة عند البشر، وبعضهم حمل التردد من الملائكة لا من الله، لكنهم لما كانوا رسل الله فنسب ما هو إليهم إلى الله لأنه هو الذي أرسلهم، وقد بسط الكلام على هذا الحافظ في " الفتح " فليرجع إليه من يشاء الاستزادة.

ومن خيانة المؤلف في النقل أنه ذكر كلام الخطابي فاقتصر على الاستشكال ولم يذكر ما أجاب به، وَتِلْكَ شَنْشَنَةٌ نَعْرِفُهَا مِنْ أَخْزَمَ، وإليك كلام الخطابي بتمامه لتعجب من صنيع أَبِي رَيَّةَ، قال الخطابي: «التردد في حق الله غير جائز والبداء عليه في الأمور غير سائغ، ولكن له تأويلين: أحدهما أن الإنسان قد يشرف على الهلاك في أيام عمره من داء يصيبه وفاقة تنزل به فيدعو الله فيشفيه منها ويدفع عنه مكروهها، فيكون ذلك من فعله كتردد من يريد أمرا ثم يبدو له فيه فيتركه ويعرض عنه، ولا بد له من لقائه إذا بلغ الكتاب أجله لأن الله قد كتب الفناء على خلقه واستأثر بالبقاء لنفسه، والثاني أن يكون معناه: ما رددت رسلي في شيء أنا فاعله كترديدي إياهم في نفس المؤمن .... إلخ» ما قال.