للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالكذب ما نصه: «ولما سمع الزبير أحاديثه قال: «صدق، كذب» وإيراد النص بهذا الوضع يوهم اتِّهام الزبير لأبي هريرة بالكذب، وإليك النص بتمامه كي تؤمن معي بما أقول، قال صاحب " البداية والنهاية " (١): «وَرَوَى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ قال: قَالَ لِي أَبِي [الزُّبَيْرُ]: " أدنني من هذا اليماني - يعني أبا هريرة - فإنه يكثر الحديث عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " قَالَ: فَأَدْنَيْتُهُ مِنْهُ، فَجَعَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ، وَجَعَلَ الزُّبَيْرُ يَقُولُ: صَدَقَ، كَذَبَ " ... قُلْتُ: " يَا أَبَتِ مَا قَوْلُكَ صَدَقَ، كَذَبَ؟ " قَالَ: أَمَّا أَنْ يَكُونَ سَمِعَ هَذِهِ الأَحَادِيثِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلاَ أَشُكُّ، وَلَكِنْ مِنْهَا مَا وَضَعَهُ عَلَى مَوَاضِعِهِ، وَمِنْهَا مَا وَضَعَهُ عَلَى غَيْرِ مَوَاضِعِهِ "». فهل ترى في هذا النص بتمامه ما يشهد لما ذهب إليه؟

ومن أمثلة أخذه ببعض الروايات لأنه يشهد له، وترك البعض الآخر وَإِنْ كان أقوى لأنه لا يشهد له، ما ذكره في [ص ١٩٢] من أَنَّ عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - استعمل أبا هريرة عاملاً على البحرين، ثم بلغه أشياء تخل بأمانته فعزله وَوَلَّى مكانه غيره، وَأَنَّ عمر أهانه وكلمه بكلام شديد.

وكنا نحب من المؤلف أَنْ يُبَيِّنَ لنا مرجعه لنرى إذا كان من المراجع الموثوق بها أم لا، وإليك القصة كما جاءت في " الإصابة " (٢) وهي أوثق كتاب في تاريخ الصحابة، قال الحافظ في " الإصابة ": «وقال عبد الرازق أخبرنا معمر عن أيوب عن ابن سيرين: أَنَّ عمر استعمل أبا هريرة على البحرين، فقدم بعشرة آلاف فقال له عمر: " اسْتَأْثَرْتَ بِهَذِهِ الأَمْوَالِ فَمِنْ أَيْنَ لَكَ؟ " قال: " خَيْلٌ نُتِجَتْ، وَأَعْطِيَةٌ تَتَابَعَتْ، وَخَرَاجُ رَقِيقٍ لِي "، فَنَظَرَ فَوَجَدَهَا كَمَا قَالَ، ثُمَّ دَعَاهُ لِيَسْتَعْمِلَهُ فَأَبَى، فقال: " لَقَدْ طََلَبَ العَمَلَ مَنْ كَانَ خَيْراً مِنْكَ "، قال: " إِنَّهُ يُوسُفُ نَبِيُّ اللهِ ابْنُ نَبِيِّ اللهِ، وَأَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ بْنُ أُمَيْمَةَ، وَأَخْشَى ثَلاَثاً: أَنْ أَقُوْلَ بِغَيْرِ عِلْمٍ، أَوْ أَقْضِيَ بِغَيْرِ حُكْمٍ، أَوْ يُضْرَبَ ظَهْرِي، وَيُشْتَمَ عِرْضِي، وَيُنْزَعَ مَالِي "»


(١) ٨/ ١٠٩.
(٢) ٤/ ٢١٠.