للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والخصومات بين المُثْبِتِينَ وَالنَّافِينَ، وقد كنت عنيت بالكتابة في هذا الحديث وَرَدِّ الشُّبَهِ الواردة عليه في كتابي الذي نلت به درجة الأستاذية (١) وهو " الوَضْعُ فِي الحَدِيثِ وَرَدِّ شُبَهِ المُسْتَشْرِقِينَ وَالكُتَّابِ المُعَاصِرِينَ " وَقَدْ وَجَّهَتْ إِلَيَّ «الإذاعة السعودية» في أول عهدها سؤالاً عن هذا الحديث وَرَدَ إليها من أحد المستمعين وكنت إبانها مبعوث الأزهر الشريف للتدريس بالبلد الحرام «مكة» وإصلاح مناهج التعليم، وهاك خلاصة ما كتبته في كتابي وأذعته.

قلت بعد أن بَيَّنْتُ مَنْزِلَةَ السُنَّةِ من الكتاب وعناية الأُمَّةِ الإسلامية بها عناية فائقة، وأن المُحَدِّثِينَ بلغوا الغاية في نقد السند، وعنوا بنقد المتن ولكن لم يبالغوا في نقد المتن مبالغتهم في نقد السند، لاعتبارات شريفة أفضت في الكلام عنها في هذا الكتاب:

هذا الحديث رواه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه، ولم أجد لأحد من نقاد الحديث طعنا في سنده فهو في درجة عالية من الصحة وكل ما وقع من الطعن فيه من بعض المستاهلين إنما هو من جهة متنه ومدلوله، فقد قالوا: كيف يكون الذباب الذي هو مباءة الجراثيم فيه دواء؟ وكيف يجمع الله الداء والدواء في شيء واحد؟ وهل الذباب يعقل فيقدم أحد الجناحين على الآخر؟

وقد بذل علماؤنا الأوائل - أَثَابَهُمْ اللهُ - الجهد في رد هذه الشبهة فقالوا: لا مانع عقلاً أن يجمع الله الداء والدواء في شيء واحد، بل هو أمر مشاهد معروف، فالنحلة تلقي السُمَّ من أسفلها وتخرج عسلاً فيه شفاء للناس مِنْ فِيهَا، والحية القاتل سُمُّهَا يدخل لحمها في الترياق الذي يعالج به السم، وإن الله الذي هدى النحلة إلى أن تبني بيتها على أعظم نظام هندسي، وهدى النملة أن تدخر قوتها لأوان حاجتها، وأن تفلق الحبة نصفين لئلا تنبت، لقادر على أن يلهم الذبابة أَنْ تُقَدِّمَ جَنَاحًا وَتُؤَخِّرَ


(١) كان ذلك عام ١٣٦٥ هـ وعام ١٩٤٦ م.