للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

، وَأَطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ عِنْدَ الرُّقَادِ فَإِنَّ الفُوَيْسِقَةَ (أَيِ الْفَأْرَةُ) رُبَّمَا اجْتَرَّتِ الفَتِيلَةَ فَأَحْرَقَتِ البَيْتَ»

والجواب:

إن هذا الحديث بهذا اللفظ رواه البخاري في " صحيحه " (١) ولكنه عن جابر بن عبد الله لا عن أبي هريرة، ورواه من طرق أخرى عن جابر بنحو هذا في مواضع من كتابه (٢) ورواه مسلم في " صحيحه " عن جابر من طرق عدة بنحو ما رواه البخاري، وهكذا يَتَبَيَّنُ لنا أن الحديث ثابت من غير طريق أبي هريرة، ولو أن الحديث كان من روايته وحده لما جاز له أن يتخذ منه تكأة للطعن فيه، فما بالك وقد ثبت عن غيره؟! إن هذا الحديث يعتبر من مفاخر الإسلام وتوجيهاته الرشيدة السديدة الصحية والاجتماعية، وإليك كلمة موجزة في شرح هذا الحديث كي تزداد يقينًا بسمو الإرشاد النبوي وأن أبا هريرة كان يستحق التكريم - لا التأنيب - لو أنه نقل هذه الآداب الإسلامية الحكيمة.

«خَمِّرُوا الآنِيَةَ» أَيْ غَطُّوهَا، ومن ذا الذي لا يدعو إلى تغطية آنية الطعام والشراب؟ أليس في تغطيتها صيانة لها عن القاذورات وسقوط الهوام والحشرات، وفي هذا ما فيه من حفظ الصحة والإبقاء على النفوس؟ وإذا كان المؤلف قد ران الحقد على قلبه حتى عَدَّ المحاسن مساوئ فليسأل رجال الطب وسيعلم علم اليقين سُمُوَّ هذا التوجيه الصحي النبوي!

«وَأَوْكِئُوا الأَسْقِيَةَ» الأسقية: القِرَبَ، أي اربطوها وشدوها بالوكاء وهو ما يربط به فَمَ القِرْبَةِ، وهذه الفقرة لا تقل في التوجيه الصحي عن سابقتها «وَأَجِيفُوا الأَبْوَابَ»: أي أغلقوها، ومن ذا الذي ينكر ما في إغلاق


(١) كتاب بدء الخلق، «باب خمس من الدواب فواسق يقتلن في الحرم».
(٢) كتاب بدء الخلق، «باب صفة إبليس». كتاب الأشربة، «باب تغطية الإناء». كتاب الاستئذان، «باب لا تترك النار في البيت عند النوم»، و «باب غلق الأبواب في الليل».