للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله عنا خَيْرًا - حينما لم يكتفوا بالإسلام والعقل عن البلوغ والسلامة من الفسق وما يخل بالمروءة، وذلك لأن الإسلام والعقل يمنعان من الكذب بحسب الظاهر لوجود ما يعارضهما وهو الهوى والشهوة فَلاَ بُدَّ إِذًا من رجحان جانب العقل والإسلام على دواعي الهوى والشهوة، وذلك لا يكون إِلاَّ بالسلامة من أسباب الفسق وما يخل بالمروءة (١).

وأما الضبط فقد عَرَّفُوهُ بأنه التيقظ وعدم الغفلة، وذلك بأن يكثر صواب الراوي على خطئه مع قلة الخطأ في نفسه، وينقسم الضبط إلى قسمين:

١ - ضبط صدر وهو أن يحفظ ما يسمعه في صدره من وقت تحمله إلى حين أدائه مع المحافظة على اللفظ إن كان حافظًا له ومع علمه بما يحيل المعنى أو يخل به إن روي بالمعنى.

٢ - ضبط كتاب وهو أَنْ يَصُونَ الكِتَابَ الذِي تَحَمَّلَهُ من وقت التحمل إلى وقت الأداء بحيث يكون آمِنًا عليه من التغيير والتبديل والزيادة والنقصان.

ومن ثم يظهر لنا أن المُحَدِّثِينَ لا يعتبرون الراوي ضابطًا إذا تساوى خطؤه وصوابه، أو غلب خطؤه على صوابه، وهو المسمى عندهم بالمغفل، أو فاحش الغلط، أو كثير الخطأ وكذا لا يعتبرون من كثر صوابه على خطئه ولكن كثر الخطأ في نفسه وهو المسمى (سَيِّئَ الحِفْظِ) (٢).

وإذا ثبتت عدالة الرواي، وضبطه ثبت أنه ثقة تجب الطمأنينة إليه ويترجح تَرَجُّحًا قَوِيًّا جانب الصواب على جانب الخطأ في مروياته وليس بعد ترجح جانب الإصابة وتحقق الطمأنينة إليه إِلاَّ قبول مروياته والثقة بها، وهكذا يَتَبَيَّنُ لنا أنه بعد تحقق هذه الشروط يصير احتمال الكذب أو الغلط احتمالاً بعيدًا جِدًّا إن لم يكن غير ممكن ولا يخالجنا شك أنه من أهل الصدق والأمانة.


(١) " الأسلوب الحديث في علوم الحديث ": ٢/ ٧.
(٢) " نخبة الفكر " و " شرحها " للحافظ ابن حجر «مبحث الضبط».