للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ، أَلاَ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ الحِمَارُ الأَهْلِيُّ، وَلاَ كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَلاَ لُقَطَةُ مُعَاهَدٍ إِلاَّ أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا صَاحِبُهَا» (١). فالحديث ثابت من جهة النقل والرواية، ومعناه ثابت من جهة العقل والدراية، والكتاب الكريم يُؤَيِّدُهُ، قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (٢) وقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (٣).

أما قوله: «فلم يعن ... إلخ» فمنطق عجيب حَقًّا، فقد بينت آنفا السر في نهي النَّبِيِّ عن كتابة الأحاديث في عهده وهو خشية التباس بعضه بالقرآن، ولما كانوا عليه من الأمية وَعَدَمِ تَيَسُّرِ الكتابة والقرآن معجز، فالمحافظة على لفظه واجب ولا كذلك السُنَّة فالمعول عليه فيها المعنى لا اللفظ، وهل يلزم من عدم الأمر بتدوين الأحاديث أن لا تكون معتنى بها، وأن لا تكون هي الأصل الثاني للتشريع؟

والرسول حينما نهاهم عن كتابة السُنَّةِ لم يضع نصف ما أوحاه الله إليه - كما زعم المؤلف - لأنه يعلم أن أصحابه الحاملين لِسُنَّتِهِ ذَوُو حوافظ قوية وأذهان سيالة وقلوب واعية فاهمة وهذه - لعمر الحق - بعض خصائص العرب ولا يماري في هذا إِلاَّ جاهل، أو متحامل وليس من شك في أنه بعمله هذا قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة وكيف لا؟ ومعظم ما جاءت به السُنَّةُ إما شرح لما في القرآن أو توضيح لمشكله أو تقييد لمطلقه أو تخصيص لعامه ونحو ذلك، وما دام الأصل الأصيل وهو القرآن الكريم - قد اجتمع له الوجدان - التقييد في الأذهان والصدور، والتقييد في الكتابة والسطور- فلا خوف بعد ذلك على السُنَّة لأنها قام على حفظها والحفاظ عليها أفهام واعية وأذهان حافظة وكثيرًا ما كان يحث الرسول - صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ - على حفظها والمحافظة عليها من حين سماعها إلى حين أدائها بمثل قوله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نَضَّرَ اللَّهُ امْرُءًا سَمِعَ مِنِّي مَقَالَةً فَحَفِظَهَا فَأَدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا فَرُبَّ مُبَلِّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ»، وفي رواية «فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ»


(١) " تفسير القرطبي ": ١/ ٣٧، ٣٨.
(٢) [سورة النحل، الآية: ٤٤].
(٣) [سورة الحشر، الآية: ٧].