وأخرج الطبراني من حديث مسلمة بن مخلد قال: أتاني جابر فقال لي: «حديث بلغني أنك ترويه في الستر على المسلم فذكره»، والظاهر أنها قصص مُتَعَدِّدَةٌ رحل فيها جابر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَة.
ورحل السيد الجليل أبو أيوب الأنصاري إلى عُقبة بن عامر الجُهَنِي بسبب حديث يرويه في الستر على المسلم، رواه أحمد بسند منقطع، وروى أبو داود في " سننه " من طريق عبد الله بن بُريدة أنَّ رجلاً من الصحابة رحل إلى فُضالة بن عبيد وهو بمصر في حديث.
وعلى هذا الدرب الواضح سار التابعون ومن جاء بعدهم من أئمة العلم والدين، روى الخطيب عن عبيد الله بن عدي قال:«بلغني حديث عند عليٍّ فخفت إنْ مات أنْ لا أجده عند غيره، فرحلت حتى قدمت عليه العراق». وروى الإمام مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال:«إِنْ كُنْت لأَرْحَلُ الأَيَّام وَاللَّيَالِي فِي طَلَبِ الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ». وأخرج الخطيب عن أبي العالية قال:«كنا نسمع عن أصحاب رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلا نرضى حتى خرجنا إليهم فسمعنا منهم»(١) وقال الشَعْبِي في مسألة أفتى فيها: «أعطيناكها بغير شيء، كان يرحل فيما دونها إلى المدينة» وقد روى الدارمي بسند صحيح عن بُسر بن عبيد الله قال: «إنْ كنت لأركب إلى المصر من الأمصار في الحديث الواحد» وقال أبو قلابة: «لقد أقمت بالمدينة ثلاثة أيام ما لي حاجة إِلاَّ رجل يقدم عنده حديث فأسمعه».
وقيل للإمام أحمد:«رجل يطلب العلم، يلزم رجلاً عنده علم كثير أو يرحل؟ قال: يرحل يكتب عن علماء الأمصار».
ومِمَّنْ ارتحل في سبيل العلم والرواية الأئمة أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم ومن المُحَدِّثِينَ جَمٌّ غفير، ويأتي في الرعيل الأول منهم الأئمة