وباقي الروايات الثمانية بعضها بلفظ:«أَنْكَحْتُكَهَا عَلَى أَنْ تُقْرِئَهَا وَتُعَلِّمَهَا» وبعضها بلفظ: «أَمْكَنَّاكَهَا بِمَا مَعَكَ» إلخ ... وبعضها بلفظ:«خُذْهَا بِمَا مَعَكَ» وهكذا يَتَبَيَّنُ لك جَلِيًّا أنَّ الروايات الثمانية ليس بينهما كبير فرق يسوغ للمؤلف أنْ يرمي السُنَّةَ بمنكر من القول، فيزعم أنها وصلتنا مغيرة مبدلة! على أنَّ طريقة العلماء المُحَقِّقِينَ في هذا الحديث وأمثاله هو الترجيح وبذل الجهد في التَحَرِّي والبحث عن حقيقة اللفظ الذي صدر من الرسول - صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ -، ولعلماء الحديث وجهابذته - وراء قواعد النقد الظاهرة - مَلَكَةٌ خاصة وَحَاسَّةٌ دقيقة بهما ينفذون إلى معرفة اللفظ الذي هو أليق بالصدور عن الرسول، وهذا هو ما فعله الأئمة تُجَاهَ الروايات في هذا، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: «هَذِهِ لَفْظَةٌ وَاحِدَةٌ فِي قِصَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَاخْتُلِفَ فِيهَا مَعَ اتِّحَادِ مَخْرَجِ الْحَدِيثِ، ... فَالصَّوَابُ فِي مِثْلِ هَذَا النَّظَرُ إِلَى التَّرْجِيحِ وَقَدْ نُقِلَ عَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّ الصَّوَابَ [رِوَايَةُ] مَنْ رَوَى " زَوَّجْتُكَهَا " وَأَنَّهُمْ أَكْثَرُ وَأَحْفَظُ ... ». ولما نقل المؤلف كلام ابن دقيق العيد وقف عند «مخرج الحديث» وترك الباقي، وغير خَفِيٍّ على القارئ الفطن السِرَّ في تركه لعجز الكلام، لأنه يهدم ما يريد أنْ يصل إليه، وكذلك لما نقل كلام العلائي ترك من آخره قوله:«ولكن القلب إلى ترجيح رواية الترويج أميل لكونها رواية الأكثرين، ولقرينة قول الرجل الخاطب زوجنيها يا رسول الله» فلماذا تركت هذا أيها الأمين؟! وقال الحافظ ابن حجر:«نعم، الذي تحرر مِمَّا قدمته أن الذين رووا بلفظ التزويج أكثر عددا مِمَّنْ رواه بغير لفظ التزويج ولا سيما وفيهم من الحفاظ مثل مالك، ورواية سفيان بن عيينة «أنكحتكها» مساوية لروايتهم ومثلها رواية زائدة (١).
وهكذا يَتَبَيَّن لنا أن لا ضرر دينيا بسبب الرواية بالمعنى كما يريد أن يصوره المؤلف ما دامت الألفاظ متوافقة أو متقاربة، وما دام طريق الترجيح بين الروايات يؤدي بالمجتهد إلى الوصول إلى الحق والصواب.