وقد أشار القرآن الكريم إلى هذ المبدأ الاجتماعي، عند ما أمر الله تعالى قريشا- في السورة المسماة باسمها- أن تتوجه إليه بالعبادة- المبنية على النظر ومعرفة الله تعالى- مذكرا إياهم أنه أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف، قال تعالى: فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ فما الذي يقعد بهم إذن عن أن يتفكروا أن لهذا البيت ربا يستحق العبادة والتعظيم؟! ومن هنا- وهذا استطراد لا بدّ منه- تظهر واحدة من أهم مزايا رسالات الأنبياء حيث تحاول دائما أن تصل الإنسان بهذه المعاني الخالدة في الحياة حين لا يكون «مؤهلا» لطرح تلك الأسئلة، أو حين تكون أهليته- كما يثبت الواقع- ناقصة أو موهومة.
وعلى ضوء ذلك يمكننا أن نفهم لماذا ختمت الرسالات بمحمد صلّى الله عليه وسلم- بعد كل هذه التمهيدات والمحاولات- ونفهم كذلك لماذا ينحصر الصراع اليوم- حقيقة ومن وراء صور كثيرة- بين المنهج الإلهي متمثلا في الدين الخالد: الإسلام، وبين المناهج البشرية متمثلة في آراء الفلاسفة ومفكري النهضة.
[- ٢ -]
هذه المشكلات الإنسانية هي إذن مشكلة كل عصر، ومنهج الإسلام فيها- أو جوابه عليها- يتمثل في نصوص القرآن الكريم، في المقام الأول. ولكن هذه الإجابة لم «تفهم» على الدوام على نحو واحد إلا في جيل واحد على وجه التقريب- وهذا أمر جدير بالدراسة على ضوء وقائع السياسة وحقائق الاجتماع، وإن كان أمر وجود «الصورة الكاملة