تردد موضوع النبوة والأنبياء والمعجزات في تفسير الحاكم في مناسبات عدة، وآراؤه في هذا الباب لا تكاد تخرج عن آراء شيخيه أبي علي وأبي هاشم كما أوردها القاضي عبد الجبار في أحد أجزاء المغني، وكما لخصها هو نفسه في كتابه شرح عيون المسائل، ورتبها فيه على نحو جيد. والذي يعنينا هنا هو الوقوف على أهم آرائه في هذا الباب من خلال تفسيره لبعض الآيات، لنتبين مدى تأثره بنزعته وثقافته الكلامية في تفسيره:
١ - النبوة اختيار وليست بجزاء: قال في قوله تعالى: (قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ. قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ. يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ)، إنه يدل على أن النبوة ليست باستحقاق وجزاء لأنه علقه بالمشيئة مطلقا «١» وإنما هي بمشيئته واختياره.
ولا بد عنده في كل رسول ونبي من وحي ومعجزة وشريعة وذكر أن بعضهم يقول: قد يكون نبيا من غير هذه المعاني، ويفرقون بين النبي والرسول. قال: «والأصل فيه أن كل نبي بعث فلا بد أن يجب القبول منه وتصديقه، وذلك لا يعلم إلا بمعجز يجري مجرى التصديق. ولا بد أن يعرف من جهته ما لولاه لم يعرف وإلا كان عبثا. ولا بد أن يعلم هو ما حمّل من الرسالة، فلذلك قلنا: لا بد من هذه المعاني. وما يروونه
(١) قارن هذا بما ذكره القاضي في المغني: ج ١٥ صفحة ١٢ - ١٣، ١٦ بتحقيق الأستاذ الدكتور محمود قاسم.