الفرقان: ما أهمية أو فائدة التفسير الموضوعي للقرآن، وما مهمته؟
أ. د. زرزور: ليست كل سورة من سور القرآن الكريم مختصة بموضوع واحد بل بعدة موضوعات، يقابل هذا أن الموضوع الواحد - بطبيعة الحال - يتوزع في سور متعددة. لا بد من ضم أطراف الموضوع الواحد على صعيد واحد حتى لا نخطئ في التفسير؛ لأن هذا أحد الأسباب التي دعت إلى الخلاف بين الفرقاء أو المتكلمين عندما يأتي أحدهم إلى جزء من السورة أو جزء من الموضوع في آية ويعتبرها هي الأصل إلى درجة أنه يضطر إلى إدخال سائر الآيات في التأويل، ونحن لسنا مضطرين للتأويل إذا أمكننا أن نعيد بناء السورة القرآنية للموضوع الواحد على صعيد واحد. هذه هي مهمة التفسير الموضوعي. وهناك فوائد كثيرة لهذا النوع من التفسير، لكن أبرز فائدة من فوائده أن الخلاف الذي احتدّ بين المتكلمين وحتى بين بعض الفقهاء في بعض الأحيان - والذي بلغ حد اختلاف التضاد وليس اختلاف التنوع - كان سببه أن بعضهم أخذ جزءاً من السورة واعتبرها أصلاً واضطر إلى إدخال سائر أجزاء السورة في التأويل. فمثلاً، آيات الهداية والضلال، اعتبر بعض العلماء أن معنى الهداية خلق الإيمان في قلب المؤمن، علماً بأن مدلول الهداية في القرآن متعدد، فإذا جمعناه على صعيد واحد فلا خلاف، لكنهم فهموا (هدًى للمتقين) أي ليس هدى لغيرهم كما يقول الأشاعرة، لكن المتعزلة لا على معنى أنه هدى للمتقين وحدهم لأن القرآن هداية لجميع الناس، ولكن لأن المتقين هم الذين اهتدوا به، فكأنه إنما كان هداية لهم دون غيرهم. وبعض الأشاعرة -استناداً إلى أن الهداية خلق الإيمان في قلب المؤمن- فسّروا الآيات كلها على هذا النحو، فآية {وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى} فأول الآية {هديناهم} أي هدينا المتقين منهم. هذا الكلام ليس صحيحاً. والتفسير الموضوعي مهم في هذه الأمور وهو يحل كثيراً من هذه المعضلات.
الفرقان: هناك آيات كثيرة في القرآن ليس لها تفسير واحد أو فسِّرت بعدة تفسيرات أو عدة آراء. وهذا الاختلاف قد يوقع في حيرة. ما رأيكم؟
أ. د. زرزور: هذا صحيح، وهناك آيات ربما اتفق العلماء على دلالتها. فمثلاً، إذا كانت آيات معينة دلالتها ظنية، والدلالة الظنية تحمل عدة وجوه وهذا أمر طبيعي. وسواءٌ كان هناك اختلاف تنوّع أو اختلاف تضادٍّ، لكن في نهاية المطاف ما دام التفسير ضمن قواعد اللغة العربية وأصولها المتفق عليها فتعدد وجهات النظر موجود. لا يوجد شيء في القرآن لم يقف العلماء أمامه فقالوا هذا لا يعلم تأويله إلا الله - مثلاً-، حتى فواتح السور فسَّرت التي قال بعضهم إنها من المتشابه وهي ليست كذلك بكل تأكيد. ومفهوم المتشابه الذي توزعت مفاهيمه على آراء قد تصل إلى ثلاثين رأياً، وهناك فصل لي في كتابي في المتشابه يحل مشكلة آيات الصفات.