الفرقان: قمتَ بمقارنة بين تفسير (في ظلال القرآن) لسيد قطب، وبين تفسير محمد متولي الشعراوي في كتيب يتحدث عن الشعراوي. فما خلاصة ذلك؟
أ. د. زرزور: قلتُ فيه: لو جاء سيد قطب محل الشعراوي لنحا منحاه، ولو جاء الشعراوي محل سيد قطب لنحا منحاه، بمعنى أن كلَّ واحد منهما قام بما توجبه عليه الظروف من شرح القرآن وتفسيره.
(الظلال) لسيد قطب مدرسة متميزة في تفسير القرآن غير معهودة عند السابقين. لم يسلك منهج الإعراب والنحو والقراءات والأحكام والقصة والمناسبة، كان من نوع آخر، اهتم بالوحدة الموضوعية في السورة ووجه الارتباط بين الآيات. لا أعتقد أن أحداً قبله استطاع أن يلمس فكرة الوحدة الموضوعية في السورة بهذا العمق وهذه السلاسة. كان سيد -رحمه الله- حافظاً للقرآن وكان يقرأ السورة عدة مرات حتى يقف على مفتاحها ولا يقرأ من كتب التفسير حولها شيئاً حتى لا يتأثر بها فكان يقول:"إنه كان يفتح عليّ في بعض الأحيان في وقت قريب، وفي بعض الأحيان يستغرق ذلك وقتاً حتى إذا أدركت المحور الرئيسي في السورة والمحاور الفرعية جلست للكتابة عنها ووددت لو أنني أنهيتها في جلسة واحدة لكان ذلك أفضل". حتى إذ انتهى من السورة الأولى كان يعود إلى كتب التفسير ليستدرك سبب النزول أو روايةً أو شيئاً من هذا القبيل، حتى لا يتأثر بمعنى من المعاني التي تسبق إلى ذهن غيره فتحجزه عن فهمه المباشر مع القرآن، أي إنه تعامل مع القرآن بنحو مباشر بدون مقرر فكري مسبق من أصحاب المبادئ والعقائد والمتكلمين والفقهاء - فلا أشاعرة ولا خوارج ولا غير ذلك-، ولذلك أُخذ عليه أن آيةً -مثلاً- فسّرها على مذهب المرجئة -ولا علاقة لها بالمذاهب أساساً- فليس سيد مضطرّاً أن يؤوِّل الآية حتى لا يوافق تفسيره رأياً قال به مرجئيٌّ أو معتزليٌّ أو غير ذلك، لأن آراء مثل هذه المذاهب ليست هي الأصل في التفسير. إن الأصل في التفسير هي المعاني التي تدل عليها الآيات. ويمكن أن نصنّف هذا التفسير (في ظلال القرآن) في قائمة التفسير الأدبي والدعوي والاجتماعي.
وقد حاول بعض المفسرين المعاصرين تقليد سيد في مجال الوحدة الموضوعية لكنه لم يوفق توفيق سيد، وليس معنى هذا أن سيد قال الكلمة الأخيرة في تفسيره؛ لأن هناك بعض المحاور قد نختلف معه فيها، فإنًّ ما أخذه سيد على غيره من المفسرين لا أقول وقع فيه ولكن كاد أن يقع فيه، ولسيد تصور معين عن كيفية إزاحة ما أسماه (الجاهلية) عن مقعد القيادة والتأثير؛ هذا المنهج صار يأخذه من القرآن ويستنطق الآيات لتنطق به.
أما الشيخ الشعراوي -رحمه الله- فتفسيره الأبرز منطوقاً وليس مقروءاً. إن طريقة الشعراوي في العرض هي التي شدّت الناس إلى تفسير القرآن الكريم. فلو أنهم جلسوا لقراءة تفسيره مكتوباً لما تفاعلوا معه بالطريقة التي تفاعلوا معه وهو يتحدث. لكن الشعراوي -رحمه الله- كانت لديه قدرة فائقة على أمرين، الأول: الإفادة من محصّلة كتب التفسير على اختلاف مذاهبها، فيطرحها كأنها شيء من عنده أو من بنات أفكاره وعلى نحو لا يثير أي حساسية. فقسم كبير من أفكاره يمكن أن نصنّفه، فمنه ما هو مع الخوارج ومنه ما هو مع المعتزلة ولكنه لا يقول هذا. والثاني: كانت لديه قدرة على التبسيط، فالمعاني الصعبة يبسِّطها. لقد كان معلم تفسير أكثر من كونه مفسراً، والمفسر قاعدته واسعة يأخذ منها ويهضمها ويتمثلها وينتقي منها ما هو لصيق بالإعجاز وما هو لصيق بإثارة العاطفة والإعجاب عند الناس. فالشعراوي أدّى في مرحلة معينة من التاريخ المعاصر رسالة مهمة في إيصال معاني القرآن للناس على نحو مبسط.