للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[ثانيا: ميزان التأويل]

والقاعدة الأساسية في التأويل- بعد هذا- عند الحاكم: أن كل ما يعلم بالعقل لا يجوز أن يرد الكتاب بخلافه وإن أوهم في «الظاهر» أنه خلافه، وأنه لا بدّ له من تأويل موافق للعقل، جار على سنن اللغة، لأن العقل وأدلته لا يتداخلها الاحتمال، والألفاظ والجمل والتراكيب يتداخلها ذلك.

والسؤال الذي لا بدّ منه هنا: والآيات التي جاءت في القرآن دالة على التوحيد- وسائر الأمور التي يستقل بإدراكها العقل- ما دورها إذن؟

يجيب الحاكم بأنها وردت «مؤكدة» لما في العقول، وباعثة على النظر في الكتاب- وقد صرح في أول تفسيره بأن في القرآن ما ورد «مؤكدا» كأدلة التوحيد، ومنه ما ورد «مبينا» كأدلة الشرائع «١» - أما إن دل ظاهرها على خلاف ما يحكم به العقل أوّلت. وهذا- فيما نقدر- هو الذي حمل الحاكم على اعتبار جميع الآيات التي دلت- في باب التوحيد- على ما دل عليه العقل، هي المحكمات، واعتبار ما يوهم «ظاهرها» خلاف ذلك هى المتشابهات، والحكم عليها بالتأويل لتطابق «المحكم وأدلة العقل» أو بتعبير أوجز وأصرح: لتطابق أدلة العقل!.

ولا بد هنا من أن نعطف الحاكم في حديثه عن المعارف- الذي بثّه في تفسيره وأوجزنا القول فيه- على قاعدته الفكرية التي بدأنا بها الكلام على منهجه في التفسير، فالذي ثبت عنده بالعقل، أو الذي لا يعلم إلا من


(١) مقدمة التهذيب ١/ ورقة ٢/ و.

<<  <   >  >>