للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأما ما لا يعلم إلا من جهة العقل فهو كل علم لو لم يحصل للمكلف لما أمكنه معرفة الشرائع من جهة الرسول عليه السلام، وما لا يتم هذا العلم إلا به، وذلك نحو العلم بحدوث الأجسام، وأن لها محدثا قادرا عالما حيا قديما غير مشبه للأجسام والأعراض، غنيا لا يجوز عليه الحاجة، وأنه لا يحتاج في كونه على هذه الصفات إلى من جعله عليها، ولا إلى معنى سوى ذاته، وأنه لا يفعل إلا الحسن ولا يجوز أن يفعل القبيح.

فإذا علم المكلف هذه الجملة صح أن يعلم أنه تعالى لم يظهر المعجزة على من يدعي النبوة إلا قصدا إلى تصديقه، وأنه بعثه ليعرف الناس مصالحهم فحينئذ يمكن معرفة الشرائع، ومتى لم يحصل عالما بذلك لم يأمن أنه- تعالى- أظهر المعجزة على كذاب، وأن ما يأمر به من الشرائع استفساد، وأن أخباره كذب، وأوامره أوامر بباطل! فلا يوثق بشيء من أمر الدين!!.

وأما ما لا يعلم إلا من جهة الشرع فنوعان: أوامر وأخبار، فالأوامر هي الأمور الشرعية من العبادات والأحكام التي لا مجال للعقل فيها. والأخبار: ما ورد في القرآن من الحديث عن الأمور الماضية، والأمور المستقبلة التي لا طريق إلى معرفتها بالعقل أيضا.

وأما ما يصح أن يعلم بكل من العقل والشرع، فنحو قبح الظلم وحسن رد الوديعة- وما جرى هذا المجرى- وأن الله تعالى لا يجوز أن يدرك ويرى، وأشباه ذلك، مما يمكن لنا تعريفه بأنه الذي يدركه العقل ولكن لا تتوقف عليه صحة السمع «١».


(١) راجع التهذيب، الجزء الأول، ورقة ١٧٤ وشرح الأصول الخمسة للقاضي، ص ٤٠١.

<<  <   >  >>