[(الحرب ضد القرآن)]
الفرقان: هناك محاولات عديدة لتحريف آيات القرآن على شبكة الإنترنت. كيف نصدّ هذه المحاولات؟
أ. د. زرزور: التحريف اللفظي لا قيمة له إطلاقاً لأن القرآن موجود {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه} وهذا يكشف أصحاب هذا التحريف ومدى سخف هؤلاء وتفاهة عقولهم. لكن الخطورة في تحريف المعاني، وتكمن في التاريخ الإسلامي في عصر سيادة الحضارة الإسلامية وسيادة الدولة الإسلامية حين أرادوا أن يقوّضوا دعائم الإسلام فزعموا أن القرآن له ظاهر وباطن، وأن هذا التأويل لا يعرفه إلا الإمام والإمام هو الذي يفسّر، وغيره يلغي عقله، والصيام رجل والزكاة رجل، أي بمعنى أنهم فصلوا ما بين القرآن وبين دلالاته ومعانيه، بهدف إخراج الناس من الإسلام في وقت لا يستطيعون فيه محاربة الإسلام.
أما الآن، فالصورة التي أمامنا أن الأمة تريد العودة إلى الإسلام، فتقدّم بعض الناس لملء الفراغ على غرار الباطنيين القدامى أو القرامطة الجدد، يريدون الفصل بين النص والمعنى، من أجل أن يحولوا بين المجتمع الإسلامي وبين العودة إلى الإسلام، ففكرة الظاهر والباطن والتفسير المعاصر والقراءة المعاصرة كثرت الآن. وأنا أقوم حاليّاً بدراسة معمقة في هذه المعاني لما يثيره أمثال محمد شحرور وحامد نصر أبو زيد وحسن حنفي في هذا الصدد من أصحاب المنهج المتهالك متعدد الأخطاء والتجاوزات والأكاذيب. وقد ثبت لي أخيراً أن هذه الآراء لها أصول في الأحاديث المكذوبة والموضوعة عند الفرق القديمة.
الفرقان: هل من نصيحة توجهونها لطلبة التفسير وعلوم القرآن؟
أ. د. زرزور: أقول: إنهم يشتغلون في أفضل أبواب العلم، وأرجو أن يكون الله تعالى قد أراد بهم خيراً عندما سهّل لهم طريق خدمة القرآن في التفسير أو التلاوة أو التجويد أو التحفيظ. وإن تعمقهم في التفاسير وتاريخ القرآن أو تاريخ التدوين أمر أساسي للبناء على ما سبق من المفسرين، ونرجو لهم التوفيق والسداد في التحصيل وفي الإضافة وفي توظيف معارف القرآن وإشاعة أخلاقه ومبادئه وقيمه بين الناس، علماً بأن القرآن - والله أعلم - لا يعطي مفاتحه في الفهم لغير من كان صافي السريرة والنفس وعلى درجة من الإيمان والعمل الصالح والتلاوة الدائمة للقرآن. إن تمثلوا ذلك فإن دورهم في الدنيا كبير وثوابهم في الآخرة عظيم إن شاء الله.
الفرقان: من مؤلفاتكم (ابن خلدون وفقه السنن) و (الإمام الشيخ محمد عبده معاصراً)، نرجو تقديم فكرة عن كلٍّ منهما من حيث سبب التأليف والمضمون.
أ. د. زرزور: الكتاب الأول كان بمناسبة مرور ستة قرون على وفاة ابن خلدون، حيث احتفلت بذلك بعض الجامعات، واعتبرت أن محور نظرية ابن خلدون هي السنن وليست الدولة وليست العصبية كما قال بعض الباحثين، وقارنتُ بينه وبين الشاطبي الذي اشتغل بفقه المقاصد حيث كانا في عصر واحد. وأعتقد أن نهضة العالم الإسلامي مربوطة بهذين الفقيهين، ولقد تلمست ملامح خاصة لمدرسة التجديد المغربية فوجدتها في كلا الرجلين، وكان ذلك في القرن الثامن.
أما الكتاب الثاني فكان بمناسبة مرور مئة عام على وفاة الشيخ محمد عبده منذ ١٩٠٥. لقد ظُلمنا حين أُبعدنا عن هؤلاء الرموز وقيل لنا إن تجديدهم غير صحيح. وهذا كلام خاطئ. وأريد بهذه المناسبة أن أبدي عدم ارتياحي إطلاقاً لمنهج التشويه المتعمد الذي ليس له أي قيمة علمية. فالذي اتبعه محمد محمد حسين في كتابه (حصوننا مهددة من الداخل) هو منهج مدان في الحقيقة؛ هذا الذي يحطِّم كل الرؤوس.
محمد عبده له جوانب إيجابية ضخمة عجيبة ومن قبله جمال الدين الأفغاني ومن بعده عبد الرحمن الكواكبي وذلك بالرغم من أخطائهم من خلال العصر ومن خلال المعطيات. يقول الكاتب في الكتاب الذي أشرتُ إليه: إن محمد عبده كان يحرِّض على تعليم اللغة الأجنبية. أهذا يعدُّ مأخذاً عليه؟! لا بد من إعادة التقويم وأن يكون موضوعيّاً، والإصلاح لا يولد في فراغ، فلولا الأفغاني ما كان محمد عبده ولولا محمد عبده ما كان رشيد رضا ولولا رشيد رضا ما كان حسن البنا أساساً؛ فحسن البنا لما جاء بدأ من حيث انتهى رشيد رضا في التفسير وفي العقل. ومن هذا المنطلق كتبتُ عن محمد عبده. وهناك بحث لي عن عبد الرحمن بدوي الذي ختم حياته بكتابين هما: (دفاع عن محمد) و (دفاع عن القرآن)، وهما كتابان جيدان.
الفرقان: شكراً لكم على هذه المعلومات، وأثابكم الله.