وقال في قوله تعالى:(يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ)«١» انه تعالى يغفر بشرط التوبة والإيمان- على ما علم من آيات أخرى- ويعذب من يشاء بترك الإيمان والطاعة والإصرار على الكبائر. وقيل: أراد بهذا بيان قدرته، أي هو قادر على أن يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، ولكن لا يفعل إلا الحكمة، فيغفر للمؤمنين ويعذّب الكافرين.
[خامسا: منهج الحاكم في التأويل بين اللغة والعقل]
هذا طرف من شواهد الحاكم في التأويل في ميدانه الحقيقي عنده، وتلك هي عنايته الكبيرة باللغة واعتماده عليها في التأويل والتفسير جميعا- كما أوضحنا ذلك في هذا الفصل والفصل السابق- ولا بد لنا هنا من كلمة نصف بها هذا المنهج قبل أن نقف على آثاره في كتاب الحاكم:
يلتقي الحاكم مع أسلافه من مفسّري المعتزلة في أصوله الفكرية التي يصدر عنها في التأويل، وربما لا يختلف معهم في ذلك إلا في بعض النقاط والأمور الفرعية، أو في تشدده في بعض المسائل. كما يلتقي معهم أيضا في عنايته الكبيرة بموضوع اللغة في تفسير القرآن. والوصف الجامع الذي ينطبق على منهجه في التفسير والتأويل- وإن شئت قلت: التأويل، حيث يبدو أثر المناهج أكثر وضوحا- ينطبق عليهم كذلك.
ونستطيع أن نصف هذا المنهج الذي يتخذ فيه العقل والمقدمات العقلية- كما رأينا- أساسا للتأويل بأنه «المنهج العقلي في التفسير».
وربما وصف بعضهم هذا المنهج بأنه: المنهج اللغوي في التفسير، لما يجده من عناية المعتزلة الفائقة باللغة في التفسير والتأويل.