وإذا كنت في هذا البحث لم أتجاوز سبيل الدراسة «الوصفية» ومحاولة الوقوف على الآراء التي تضمنها كتاب الحاكم ... إلى تقرير كثير من «الأحكام» التي انتهيت إليها .. فلأنني لم أقصد في الأصل- فوق ما ذكرت- إلى أكثر من تبين معالم الطريق، وتعميق دراسة فكرة «المنهج» التي تعتبر الخطوة الأهم في موضوع هذه الدراسات الجامعية، وقد سبق لي أن وقفت على شيء من معالم «المناهج الكلامية» في تفسير القرآن حين حققت كتاب «متشابه القرآن» للقاضي عبد الجبار، وعالجت موضوع الآيات المتشابهة في القرآن بوجه عام، ومن ثمّ كان لا بدّ لي من متابعة الطريق في دراسة أطراف هذا المنهج، والتمكن من آثاره البعيدة والقريبة؛ تمهيدا لخطوة أخرى- تالية إن شاء الله- في موضوع المقارنة الموضوعية المفصلة بين سائر المناهج وطرق التفسير، حتى نتمكن من الإسهام في إعادة رسم الصورة القرآنية على النحو السابق.
[- ٥ -]
على أن العناية بتحرير آراء كل فرقة من الفرق من كتبها ومصنفات شيوخها، يصلح وحده هدفا يسعى إليه الباحث، تحقيقا لأمانة العلم من ناحية، وفي سبيل الوصول إلى الحق في نقاط الخلاف من جهة أخرى، ومن المؤكد أننا سنقف بهذه الطريقة على عشرات النقول الموهومة أو المكذوبة، والتي كان بعضها يرتكب تشنيعا على الخصم وإساءة لسمعته عند العامة. والأمثلة على ذلك، في كتاب الحاكم وحده، كثيرة سيقف عليها القارئ، وبخاصة القارئ المطلع على ما ينسب إلى المعتزلة