أشرنا في التفريق بين التفسير والتأويل إلى أن التأويل يشبه أن يكون دائما صرفا للّفظ عن الحقيقة إلى المجاز، كما عبر الإمام الغزالي رحمه الله، وانتهينا من الفصل السابق ببيان رأي الحاكم أن الأصل في التفسير هو وجوب الحمل على الحقيقة إلا إذا تعذرت فيصار حينئذ إلى المجاز، وتعذّر الحقيقة والظاهر عند الحاكم مرتبط بنظرته إلى المعارف «الاكتسابية»، ما يعلم منها بأدلة العقل، وما يعلم منها من جهة الشرع، لأنه قد بنى على هذه النظرة رأيه في الآيات التي يدخلها التأويل، وما حكم به على بعض التأويلات بالصحة أو الفساد. ولا بد أولا من الوقوف على نظرته هذه إلى المعارف.
[أولا: أقسام المعارف]
المعارف عند الحاكم على ثلاثة أضرب: ضرب يعلم بأدلة العقل ولا يعلم من جهة الشرع. وضرب يعلم من جهة الشرع ولا يعلم بأدلة العقل- وضرب يصح أن يعلم بكل منهما.