للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والذي نحسبه أن محل الخلاف بين الحاكم- وسائر المعتزلة- وبين الحشوية أو بعض المفسرين: إنما هو في هذا الشق من المسألة، وهو جواز أن يكون في القرآن ما لا سبيل إلى معرفته، أما الزعم بأن في القرآن ما ليس له معنى فهو كلام فاسد لا يلتفت إليه، ولا يصح تصوير المسألة على أساسه، سواء وجد من حشوية المسلمين وسخفائهم من يقول بهذا- كما ينقل القاضي والحاكم وغيرهما- أم لم يوجد، لأن الفرق شاسع بين عدم إدراك المعنى من المخاطب، ونفى المعنى عن كلام المتكلم! ولا يصح الالتفات إلى ما نقله الحاكم من زعم هؤلاء أنه لو أراد الإفادة لما جعل فيه متشابها!! لأنه سواء قيل إن المتشابه مما يعلم المراد به أو مما لا يعلم؛ فإن الخلاف فيه فرع على الخلاف بأن في القرآن ما لا يفهم معناه، وليس فرعا عن الزعم بأن في القرآن ما ليس له معنى، فهذه مسألة لا تصح ولا يتفرع عنها شيء!.

يرى الحاكم، إذن، أنه ليس في القرآن شيء لا يعرف معناه- لأن المقصود من الكلام إفهام المعنى- فإن كان للفظ معنى واحد فلا بد أن يحمل عليه، كما يقول الحاكم، وإن كان يحتمل أكثر من معنى وكله مما يجوز؛ حمل على الكل على وجه يصح «١» قال الحاكم: «ويقال: إذا كان للفظ معان ولا دليل، وكله مما يجوز، كيف تقطعون؟ قلنا: نقطع بأن الجميع مراد» «٢».

وهذا يفسر كثرة التفسير بالمأثور عند الحاكم، وعدم ترجيحه بين


(١) مقدمة التهذيب ورقة ٢.
(٢) التهذيب، المجلد الأخير ورقة ١٦١.

<<  <   >  >>