للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالعقليات دون سائر المكلفين!» «١».

وهذا الوجه هو الذي يوجب كذلك أن يكون حكم أهل سائر الأعصار كحكم الصحابة والتابعين، إذا عرفوا اللغة ووجه دلالة الكلام، وأن لا يكون لابن عباس ومجاهد والحسن وغيرهم مزية الاختصاص في صحة الاستدلال، وفي جواز تفسير القرآن وتأويله، وقد يكون لهم مزية أخرى بالطبع، قال القاضي: «وإنما يتقدم البعض على البعض من حيث يتقدم في معرفة اللغة ويبرّز فيها، فيكون بهذه الطريقة أعرف. وهذا إنما يتفاوت حال العلماء فيه إذا كان الكلام في المتشابه وما يلتبس، فأما مثل قوله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما)، و (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) وقوله: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) وقوله: (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) فلا يجوز أن تتفاوت أحوال أهل اللغة والعلماء بها في معرفته «٢»!».

وما روي عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: «أي أرض تقلني وأيّ سماء تظلني إذا قلت في كتاب الله برأيي»، لا ينقض ذلك بل يدل عليه، لأنه نبه بذلك على أن الواجب أن يقال في كتاب الله بما يدل ظاهره عليه ولا يرجع فيه إلى الرأي؛ لأن هذه اللفظة- الرأي- إذا أطلقت فالمراد بها ما يرجع إلى الاجتهاد وغالب الظن، فإن صح الخبر فهذا مراده؛ لأنه قد ثبت أنه استدل بالقرآن في أشياء كثيرة، وإلا فإن ذلك ينقض القول بأن لأهل التفسير من السلف أن يفسروا القرآن،


(١) المغني ١٦/ ٣٦١.
(٢) المصدر السابق.

<<  <   >  >>