وبالرغم من أن موقفه من آراء بعض السلف هذه ورواياتهم المنفردة يحدد بصورة أوضح موقفه من تفسير السلف بعامة، إلا أنه مع هذا يكاد يكون جزءا من منهجه الفكري العام، ومن موقفه من تقديم الظاهر على المجاز الذي سنتولى بيانه في القاعدة الرابعة من قواعده في التفسير.
ولعل موقفه الحقيقي من السلف أو أهل التفسير إنما يظهر فيما ذهب اليه أكثرهم أو جماعتهم مخالفين فيه الظاهر، فقد ذهب الحاكم إلى الاخذ برأيهم وترك الظاهر، ولم يسمح لنفسه أن يخالف ما أجمع عليه أهل التفسير، كما فعل بعض مفسّري المعتزلة قبله، مثل أبي مسلم، قال في قوله تعالى:(وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ، إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ، رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ)«١» إن سليمان صلّى صلاة الأولى ثم قعد على كرسيه تعرض عليه ألف فرس صارت إليه حتى غابت الشمس وفاتته صلاة العصر؛ عن أمير المؤمنين وقتادة والسدي، قال الحسن: لا زال يعرض عليه حتى فاتته صلاة العصر، قال أبو علي: كانت صلاة العصر لم تكن مفروضة اشتغل عنها بالخيل والنظر اليها، قال القاضي: ويحتمل أن تكون صلاة العصر لم تكن مفروضة في شريعته، فقال سليمان (ردّوها عليّ) أي الشمس، يعني سأل الله أن يردها عليه فردت عليه حتى صلى العصر. (فطفق مسحا) أي أخذ يمسح وما زال يمسح (بالسوق