ثم ذكر الحاكم عدة وجوه قالها «مشايخ العدليين» في مسألة داود مع أوريا وخطبته لخطيبته أو زوجته بعد وفاته، وردّ رواية بل روايات إسرائيلية قال إنها من دسيس الملحدة، ولا تصح على بعض الفساق فضلا عن الأنبياء! ولكنه قال إن ظاهر الآيات يدل على مواقعة ذنب، وأن الروايات تؤيد ذلك، وقال إن الصحيح في ذلك ما ذكره شيخه أبو علي:
أن داود خطب على خطبة أوريا بعد أن أظهر أهل المرأة لأوريا رغبتهم فيه وإرادتهم أن يزوجوها منه، فبلغ داود عنها ما رغّبه فيها فخطبها فزوجوها من داود ولم يزوجوها من أوريا، فعاتبه الله على ذلك.
ثم قال الحاكم أخيرا:«ولولا النقل المستفيض وإجماع أهل التفسير لكان الأليق بالظاهر ما حكيناه عن أبي مسلم، وهو الظاهر ولا مانع منه، ولأنه يجوز أن يقال للحاكم اقض بيننا بالحق- والصحيح أنهما قالا ذلك لكونهما ملكين كما ذكر المفسرون- وقد يجوز مثله في الحكام، فأما في الأنبياء فلا يجوز لأحد من أمتهم أن يخاطبهم بمثل ذلك».
ويكاد هذا الموقف الذي اتخذه الحاكم مما ذهب إليه أكثر السلف أو أجمعوا عليه، لا يختلف عن موقف شيخه القاضي عبد الجبار في ذلك فبعد أن أنكر القاضي اختصاص السلف بمعرفة القرآن، أورد هذا الاعتراض فقال:«أفليس في التفسير يرجع اليهم في هذا الباب؟» ثم أجاب بقوله: «لا يمتنع فيما تأولوه على وجه مما لا يدل الظاهر عليه أن يجعل اجماعهم حجة فيه. وهذا انما يكون فيما لا يعرف بظاهر التنزيل، ويصير كالمذاهب المأخوذة من الإجماع»«١»