للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الكلام على قاعدته الأساسية من أن الكلام إنما يدل بالمواضعة، وأن المتكلم إذا كان حكيما فلا بد- متى تجرّد الكلام- من أن يريد ما يقتضيه ظاهره، وإلا كان ملبّسا ومعميا أو فاعلا للقبيح!

وقد بينا أن هذه الطريقة تقتضي في جميع الكلام أن يدل على حد واحد، وأن الأصل في التفسير أن يجري على ظاهر اللغة، وأن يستوي في معرفة القرآن جميع الذين يعرفون طريقة اللغة، فيبطل قول من قال إن له ظاهرا وباطنا، أو أن يختص بتفسيره بعضهم، سواء أكان إماما أو حجة، أم لم يكن كذلك! قال الحاكم: «معاني القرآن ما يدل عليه لفظه إن كان مبيّنا، وبيانه إن كان مجملا. وقالت الباطنية له تأويل باطن غير الظاهر، لنا: أن الكلام يدل على المراد بالمواضعة، فإن أراد ما وضع له فهو ظاهر، ويستحيل أن يقال: يدل على ما لم يوضع له!! لأنه لو أراد غير ما يقتضيه ظاهره لكان ملغزا ومعمّيا، ولأنه إذا قالوا له باطن، فليس باطنهم أولى من باطن غيرهم، فيتسع الخرق!!» «١»

١ - والنقطة الهامة التي ينطلق منها الحاكم في الرد على مزاعم الباطنية في التفسير، هي سؤالهم عن هذا الباطن الذي هو الواجب عندهم: هل يدل الظاهر عليه أو لا يدل؟ فإن قالوا: لا يدل عليه، جعلوا القرآن عبثا!! وإن قالوا يدل، قيل لهم: فهل يمكن لأهل اللغة أن يعرفوا هذه الدلالة أم لا؟ فإن قالوا يمكن ذلك، جعلوا الباطن ظاهرا،- لأن كل أهل اللغة يمكنهم معرفته- وإن قالوا لا يمكن ذلك، نقضوا قولهم


(١) شرح عيون المسائل، ورقة ٢٦٤/ ظ.

<<  <   >  >>