وقال أبو مسلم الاصفهاني رحمه الله: إن معنا (عرضنا) قابلنا ووازنّا، فإن عرض الشيء على الشيء ومعارضته سواء، والمعارضة والموازنة والمقابلة سواء. و (الأمانة): جميع ما عهد الله إلى عباده من أمره ونهيه وما بعث به الرسل وأنزلت فيه الكتب وأخذ عليه الميثاق.
قال أبو مسلم: فأخبر تعالى أن هذه الأمانة مع جلالة من بيّنها وعظم شأنها إذا قيست بالسماوات والأرض والجبال ووزنت بها وعرضت عليها، كانت هذه أثقل وأرزح. ومعنى (فأبين) أي ضعفن، يقال: أبى أن يحمل، أي: ضعف عن حمله. (وأشفقن منها) لأن الشفقة ضعف، وذلك يعتريه من الخوف. فهذه الأمانة التي من شأنها أنها أعظم من السموات والأرض، تقلدها الإنسان ثم لم يحفظها، بل خان فيها لجهله بمواقع الثواب والعقاب، ومن عادته الظلم على نفسه!
وقال بعضهم: الكلام في الآية على التقدير، أي: لو كانت السموات والأرض والجبال مع عظمها حية قادرة عالمة، ثم عرضت عليها هذه الأمانة بما قبلها من الوعد والوعيد، عرض تخيير، لخافت حملها لما فيه من الوعيد، وحملها الإنسان ولم يخف الوعيد لجهله وظلمه، قال: ونظيره: (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ)، «وأخرجه مخرج الواقع لأنه أبلغ في التقدير».
قال الحاكم: وعندنا أن عرض الأمانة إنما كان على أهل السموات والأرض، وأن المراد بالعرض التكليف وبيان الحال، أي أنه بيّن الحسن والقبيح، وكلّف بالفعل والترك. وليس المراد به التخيير؛ لأنه تعالى إذا رأى أنه مصلحة تلزم العبد لا يخيره. وأما قوله تعالى: