للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يموت «فأما بعد أن قتل فنقطع أن أجله وقت قتله لما علم الله تعالى من ذلك» يدل عليه أنه غير ممتنع أن يكون الصلاح في زيد لو لم يقتله القاتل أن يعيش إلى وقت مسمى، كما لا يمتنع أن يكون الصلاح إماتته في تلك الحال، وإذا لم يكن دلالة على ذلك وجب تجويز كلا الأمرين.

ولأنه تعالى قادر على خلق الموت والحياة في تلك الحالة لو لم يقتل فلا معنى لإنكار أحدهما- كما فعلت البغدادية بإنكار الموت، والمجبرة بإنكار الحياة- ولا يقال إذا علم أنه يقتل في تلك الحالة فكيف يجوز خلافه! لأنه تعالى يقدر على خلافه، ولكن لا يكون خلافه لان العلم بالشيء يتعلق على ما هو به، وإنما يعلم بعد القتل أنه تعالى علم قتله في هذه الحالة، قال تعالى: (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا، وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) «١» قال الحاكم: تدل الآية على الترغيب في الجهاد وأنه لا يصرف عنه خوف الموت؛ لأنه نازل في حينه وإن لم يكن جهاد كما ينزل في الجهاد. وتدل على أن لكل واحد أجلا معلوما لا يتقدم ولا يتأخر. وتدل على أن هذه الآجال مكتوبة لتعتبر بها الملائكة ولطفا لنا. وتدل على أن المقتول مات بأجله.

قال: «ومتى قيل: لو لم يقتل فكيف تكون حاله؟ فجوابنا: كان يجوز أن يموت ويعيش، لانه تعالى قادر عليهما، إلا أنه إذا قتل قطعنا أنه أجله، وأنه كان لا يجوز غيره لانه كان المعلوم» قال: وتدل الآية على أن من أراد بالعبادة نصيب الدنيا لا حظ له في الآخرة. وتدل


(١) الآية ١٤٥ سورة آل عمران، ورقة ٨٢.

<<  <   >  >>