للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[النذر عبادة]

القاعدة عند العلماء في العبادات: أن ما ثبت في الشرع أنه عبادة فصرفه لله توحيد، وصرفه لغير الله شرك.

وحتى نبين هذه المسألة المهمة أقول: النذر عبادة، والدليل على ذلك قول الله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج:٢٩]، (وليوفوا) فعل أمر، وظاهر الأمر الوجوب، والله لا يأمر إلا بما يحب، وما أحبه الله كان من العبادة، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه.

أيضًا: قول الله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الإنسان:٧]، ووجه الدلالة من هذه الآية على أن النذر عبادة: أن فيها مدحاً للوفاء، والله لا يمدح إلا ما يحب.

فلا بد للإنسان إذا قال: النذر عبادة أن يكون معه دليل، وإذا قال: الطواف عبادة لا بد أن يكون معه دليل؛ حتى لا يدخل عليه أحد ويقول له: لا، بل هذا من المباح أو من المستحبات، فنحن نأصل أصولاً لو أتقنت لما استطاع مبتدع أن يقف أمامك.

ونحن نعايش هذا، وكثير من المصريين يعلمون ذلك، بل ربما أن ثلاثة أرباع المصريين ينذرون لغير الله جل في علاه، فصندوق البدوي فيه الملايين، والسيدة زينب والحسين فيها الملايين من النذور، وهذا لا يمكن لأحد أن ينكره، وليس لصاحب عقل سديد أن ينكره، فلذا لا بد أن يتأصل لدينا علماً لنرد على هؤلاء الذين يلبسون الحق بالباطل.

قال الله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الإنسان:٧]، يقول العلماء: في هذه الآية دلالة على أن النذر عبادة؛ لأن الله لا يمدح إلا ما يحب، وما أحبه كان عبادة، لذا قال قبلها: {عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا} [الإنسان:٦]، فسماهم الله عباداً؛ لأنهم يوفون بالنذر.

إذاً: فالوفاء بالنذر يدل على أنه العبادة، فهم عباد لله جل وعلا بوفائهم للنذر، {وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الإنسان:٧].

والخوف من عقاب الله أيضًا سمة وصفة عباد الله جل في علاه، فهذه أدلة تدل على أن النذر عبادة.

وأيضًا قول الله تعالى: {وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} [البقرة:٢٧٠]، فاستدلوا بهذه الآية أيضًا على أنه عبادة، وهذه الآية فيها دلالة من وجهين: الأول: دلالة الاقتران؛ وإن كانت ضعيفة لكن السياق محكم ويبين هذا، فالله جل وعلا قرنها في كتابه مع النفقة، والنفقة عبادة، فإذا كانت النفقة عبادة فقرينتها في الكتاب تكون عبادة باللزوم.

الوجه الثاني: قوله: {فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} [البقرة:٢٧٠]، وهذا هو محل الشاهد؛ لأن علم الله يدل على المحاسبة: إما مكافئة أو عقاب، فننظر فيما قال، قال: (نذر) وقال: (نفقة)، فهذه فيها ثواب، فإذا كانت محل المحاسبة دل ذلك على أنها عبادة؛ لأن الله يحاسب عباده على العبادة إما ثواباً إذا أحسنوا وإما عقاباً إذا أساءوا، إذاً: فهذه الدلالات من هذه الآيات تثبت أن النذر عبادة.

<<  <  ج: ص:  >  >>