للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[نقاط الاتفاق بين المعجزة والكرامة والسحر ونقاط الافتراق]

إن السحر والمعجزة والكرامة تتفق في أنها في خوارق العادات، فالسحر خارق للعادة، والمعجزة خارقة للعادة، والكرامة خارقة للعادة.

فالساحر يفعل أفعالاً تكون خارقة أمام الناس للعادات، كأن يطير في الهواء، أو يمشي على الماء، أو يدخل النار ولا يحترق، وهذا واقع نعيشه، فإن غلاة الصوفية يفعلون ذلك، بل إنهم يشربون السم ولا يموتون، وترى أحدهم يمر بالسيف على فمه من الشق الأيمن حتى يخرج من الشق الأيسر ولا يموت، فهذه أفعال خارقة للعادة.

والمعجزة أيضاً خارقة للعادة، فموسى عليه الصلاة والسلام أخذ العصا أمام فرعون وألقاها فانقلبت إلى حية، فهذه معجزة من المعجزات، وأخرج يده من جيبه بيضاء للناظرين، وكذلك إبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى، فكل هذه معجزات لعيسى عليه الصلاة والسلام.

والكرامة أيضاً خارقة للعادة: فـ أبو مسلم الخولاني رضي الله عنه وأرضاه دخل النار وخرج عندما قال له الأسود العنسي الكذاب: تؤمن بأن محمداً نبياً صلى الله عليه وسلم؟ قال: أؤمن به نبياً، قال: تؤمن أني نبي؟ قال: لا أسمع، فأخذه فقطع أذنه وهو يقول لا أسمع، ثم ألقاه في النار فلم يحترق، فلما علم عمر رضي الله عنه وأرضاه به قال: الحمد لله الذي جعل في أمة محمد من حدث له مثل ما حدث لإبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام.

والنعمان بن مقرن كان مستجاب الدعوة، فإنه قال: اللهم وِّلنا ظهورهم، وانصرنا عليهم، واجعلني أول شهيد، فكتب الله لهم النصر وجعله أول شهيد، وهذه من الكرامات.

وأيضاً سعد بن أبي وقاص فإنه لما قام الرجل رياءً وسمعة يقول: هذا لا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية إلى أن قال: ولا يحسن أن يصلي، نظر إليه سعد بن أبي وقاص وقال: اللهم إن كان هذا قام رياء وسمعة اللهم أطل عمره، وأعم بصره، وعرضه للفتن، فكان حاجبه قد سقط على عينيه تسع سنوات أو ثمان سنوات وهو يغمز للجواري في السكك، ويقول: شيخ مفتون أصابته دعوة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.

فهذه من الكرامات.

إذاً: فالسحر والكرامة والمعجزة تتفق في خوارق العادات.

وتفترق بأن صاحب السحر كذاب أفاك أثيم شيطان رجيم، يتحدى بما فعل ويدعي النبوة، ثم يرتقي فيدعي الربوبية، وأشهر الدجاجلة هو المسيح الدجال، فهو سيأتي للخربة ويقول: أخرجي كنوزك فتخرج، وينظر إلى السماء فيقول: أمطري فتمطر، ثم بعد ذلك يدعي النبوة، ثم يرتقي فيدعي الربوبية، وسيشق الرجل نصفين ثم يقول له: قم فيقوم الرجل متهللاً فرحاً يقول: والله ما ازددت فيك إلا بصيرة، فأنت الدجال الذي أخبرنا عنك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول الدجال: تؤمن أني ربك؟ فيقول: لا أؤمن، ثم يريد أن يقتله مرة ثانية فلا يسلط عليه.

وأما النبي فهو يتحدى بهذه المعجزة ولا يتحدى من عند نفسه، لكن يتحدى بوحي وأمر من الله جل في علاه؛ لتبيين صدق نبوته، فهو يقول: هذه من عند الله ويتحداهم أن يأتوا بمثلها، وأشهر معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم هذا القرآن، فهو معجزة خالدة إلى يوم القيامة، قال الله تعالى: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [يونس:٣٨])) [البقرة:٢٣]، فهذا تحدٍ.

إذاً: فالسحر فيه تحدٍّ والمعجزة فيها تحدٍّ، ويفترقان في أن هذا تحد بالباطل وهذا تحد بالحق لإظهار النبوة.

وأما الكرامة فلا تحدي فيها، فهذا هو الفارق، فالكرامة التي تحدث للأولياء الصالحين الصادقين لا يتحدى صاحبها أحداً، ولا يدعي أنها من النبوة ولا من الرسالة أبداً.

<<  <  ج: ص:  >  >>