للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[صور مشرقة من طاعة الصحابة لأمرائهم]

وواقع السيرة يثبت ذلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم عندما بعث عمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه غازياً في غزوة ذات السلاسل استعصى عليه النصر، فبعث عمرو بن العاص -وكان يحتاط لنفسه- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلب المدد، فجيش النبي صلى الله عليه وسلم جيشاً وأتاه بالمدد وكان فيهم أبو بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما وأرضاهما، وأمر عليهم أيضاً أبا عبيدة بن الجراح؛ تبييناً أنه ما من عصابة أو جماعة إلا ولا بد أن يكون لهم أمير يلتفون حوله، فيسير بهم إلى رضا الله جل في علاه، فانظروا إلى هذا التأسيس وهذا التأصيل وكيف يكون حال الذين يعضون على فقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوامره بالنواجذ! فذهبوا إلى عمرو بن العاص، فنظر عمرو بن العاص إلى أبي عبيدة فقال له: أنا الأمير، فقال أبو عبيدة: أنا الأمير، وكان أبو عبيدة بن الجراح أفضل من عمرو بن العاص باتفاق الأمة، فتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول له: (تطاوعا ولا تختلفا)، وانظروا إلى التطبيق الجلي من صحابة رسول الله لكلامه صلى الله عليه وسلم، فهم يعلمون أن السير على هذا النهج السديد هو الذي يصل إلى رب العباد جل في علاه.

فقال له: نعم، أنت الأمير، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (تطاوعا ولا تختلفا)، فنزل تحت راية عمرو بن العاص، ولذلك اندهش عمرو بن العاص لما رأى ذلك، وقال: أنا خير الناس، أنا أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بعد أن فتح الله عليه ذهب قاصداً رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: يا رسول الله! من أحب الناس إليك؟ وهو يعتقد أنه سيقول له: أنت؛ لأنه أمره في هذه الغزوة على جيش المسلمين، فقال له: (من أحب الناس إليك؟ فقال: عائشة، فقال: لست أسأل عن النساء بل أسأل عن الرجال؟ فقال: أبوها، فقال: ثم من يا رسول الله؟ قال: عمر.

قال: ثم من؟ قال: عثمان) قال: فسكت، لأنه يعلم أنه سيكون في آخر الذيل، إذاً: فالإمارة ليست دليلاً على الأفضلية، والمقصود: هو بيان تمسكهم بكلام النبي صلى الله عليه وسلم وائتمارهم بأمر عمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه.

وبعث النبي صلى الله عليه وسلم في السنة التاسعة أبا بكر أميراً على الحج، ثم أردف بـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه؛ ليقرأ على الناس آيات البراءة في سورة التوبة؛ وليقول للناس: (ألا يطوف بالبيت عريان، وألا يحج بعد اليوم مشرك)، فالشاهد أنه لما جاء علي بن أبي طالب أبا بكر وهو مرسل من الرسول صلى الله عليه وسلم قام أبو بكر وهو يعلم أن المسألة مسألة إمارة فقال له: أمير أم مأمور؟ فقال له علي بن أبي طالب: بل جئتك مأموراً.

لذلك فسبب الانفلات والفساد والتشرذم والتفكك هو عدم تنصيب الأمير الذي يسوق الأمة إلى رضا الله جل في علاه.

<<  <  ج: ص:  >  >>