للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[البركة في الأفعال]

كذلك من أعلى وأرقى الأفعال الجالبة للبركة طلب العلم, فطلب العلم كله بركة, ويا خسارة من ترك طلب العلم وقد من الله عليه بهذا الطلب ويسره عليه، فمثل هذا ضاعت منه البركة؛ لأن البركة كل البركة مع طالب العلم, وبركة طالب العلم في الحل والترحال حسياً ومعنوياً, قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (مامن شيء إلا ويستغفر لطالب العلم) فهذه بركة معنوية, فحتى الحيتان في البحر تستغفر لطالب العلم, وحتى النمل في الجحر تستغفر لطالب العلم.

ومجلس طلب العلم تحفه الملائكة، وتنزل فيه الرحمة، وتغشاه السكينة، فمن بركة مجالس العلم أن الجاهل الذي يأتي لمصلحة دنيوية حين يجلس في مجلس العلم، وتأتي الملائكة لتكتب الأسماء، فتقول: يا رب إن معهم فلاناً ما جاء إلا لحاجة دنيوية، فيقول الله جل في علاه: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم.

وأيضاً من بركة طلب العلم أن الملائكة دائماً تحف طالب العلم, وتضع أجنحتها رضاً بما يفعل طالب العلم, فهنيئاً لطالب العلم البركة الحسية والمعنوية، وقد ورد في الحديث: (أن رجلاً فقيراً جلس يسمع حديث النبي صلى الله عليه وسلم ويكتب الحديث، فجاء أخوه الذي يرعاء ويسعى عليه ويكد ويتعب له, فقال: يا رسول الله إني أكد من أجل فلان ويتركني ويأتيك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: دعه لعلك ترزق به) يعني: أن الرزق الذي يأتيك لو كان درهماً واحداً فببركة طلب علم أخيك ستأتيك آلاف الدراهم.

فهذه البركة فاتت على كثير من الناس, وضاعت عن أذهان كثير من الناس, وما فاز بها إلا من حباه الله أن يسلك طريق طلب العلم.

وأيضاً من البركات في الأفعال: الاجتماع, يقول النبي صلى الله عليه وسلم (يد الله مع الجماعة) فالاجتماع دائماً يأتي بالبركة الحسية والمعنوية، فإذا كان الله معك وهو ناصرك فمن يستطيع أن يغلبك؟! وإذا كان الله معك رازقك فمن يمنع عنك الرزق؟! وإذا كان الله معك غافراً لذنبك فمن يأخذك بهذا الذنب؟! وإذا كان الله معك رافعاً إياك دراجات فمن يذمك؟! فالممدوح بحق من مدحه الله, ولما دخل الأعرابي على النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (أعطني؛ فإن مدحي زين وذمي شين، قال صلى الله عليه وسلم ذاك الله) يعني: أن المدح بحق من الله والذم بحق من الله.

وأما حسياً فمثل: الاجتماع على الطعام، فطعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الثلاثة، وطعام الثلاثة يكفي الأربعة, والنبي صلى الله عليه وسلم ينصحنا ويحث الأمة على هذه البركة والتمسك بها فيقول: (اجتمعوا على طعامكم، واذكروا الله عليه؛ يبارك لهم فيه)، فالبركة في الطعام تأتي بالاجتماع، وتأتي بتسمية الله جل في علاه عليه.

وأيضاً من أجل الأسباب مع طلب العلم للحصول على البركة: التقوى، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ} [الأعراف:٩٦] وما قال: كثرنا، قال: {لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [الأعراف:٩٦]، وقال سبحانه: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:١٣٢].

وأيضاً من الأطعمة والأشربة التي هي مباركة: ماء زمزم, فماء زمزم كله بركة, كما صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ماء زمزم لما شرب له) وفي رواية صحيحة قال: (إنه طعام طعم، وشفاء سقم).

وبقي أبو ذر رضي الله عنه وأرضاه أربعين يوماً وليلة لا يأكل شيئاً غير ماء زمزم.

وأيضاً: الزيتون مبارك، قال الله تعالى: {يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ} [النور:٣٥]،والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (كلوا من هذا الزيت وادهنوا به، فإنه من شجرة مباركة).

وأيضاً: الحبة السوداء, فالحبة السوداء فيها بركة، وكثير من الناس يغفل عنها مع أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الحبة السوداء دواء من كل داء إلا الموت).

وأيضاً: عسل النحل فيه بركة، فعجباً لهؤلاء القوم الذين يذهبون يتمسحون بالأولياء وتراب الأولياء ويتركون هذه البركات الحسية والمعنوية التي نراها في عسل النحل، قال الله عنه: {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل:٦٩].

وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه جاءه رجل يشتكي بطن أخيه, فقال: أسقه عسلاً، فازداد الأمر عليه، قال: اسقه عسلاً، فازداد الأمر عليه، قال: اسقه عسلاً, فازداد الأمر عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق الله وكذبت بطن أخيك، اسقه عسلاً, فشفي الرجل بعدما شرب العسل)، فالعسل فيه بركة.

<<  <  ج: ص:  >  >>