للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الأمر بالتوحيد والرد على شبه المشركين]

لقد بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، وينور لهم بصائرهم بالحق، والتوحيد الخالص.

فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم فإن أول ما قدم بين يدي دعوته أن أبطل الحجة التي أقاموها، كما أبطلها الله جل في علاه، فقال لهم: أنتم اتخذتم هؤلاء وسائط بينكم وبين الله، فإذا كنتم تعتقدون بأن هؤلاء سيشفعون لكم عند الله جل في علاه فإن هذه الحجة منفية، قال تعالى: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} [الزمر:٤٤]، فلا أحد يشفع عند الله، وقال تعالى: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء:٢٨].

ثم أبطل حجتهم الثانية وهي: اعتقادهم الباطل بأن هؤلاء الأولياء أو الصالحين لهم تحكم في هذا الكون، قال الله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} [الأحقاف:٥].

وقال الله تعالى: {فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ} [الأحقاف:٢٨]، وفي سورة سبأ قطع الله سبل التعلق بغيره من حجر أو شجر أو أو نبي، فقال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} [سبأ:٢٢]، أي: لا معين ولا نصير لله جل في علاه؛ فقطع أولاً أن يكون لأحد شركاً مع الله جل في علاه في هذا الكون المدبر من الله جل في علاه.

ثم قطع ثانياً أن يكون لهم وجاهة أو شفاعة عند الله جل في علاه، وأخبر أنهم ليس لهم كلمة، وليس لهم ملك، وليس لهم شفاعة عند الله جل في علاه، كما قال تعالى: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء:٢٨].

ثم بعدما قعد هذه القاعدة أبطل حجة المشركين، وأمر نبيه أن يبطل هذه الحجج الباطلة، وإن زعموا أنهم إنما يعبدونهم ليقربوهم إلى الله زلفى، فأبطل ذلك وأخبرهم أنهم لا يقربونهم بل يبعدونهم عن الله جل في علاه، فأمرهم بالتخلية ثم تالتحلية، ولا بد من انتهاج هذا المبدأ: التخلية ثم التحلية، فأبطل كل الحجج، ثم بعد ذلك جاء بالتوحيد الناصع الخالص، فجاء أمره بالتوحيد بألا تعبدوا إلا الله ولا تشربوا هذه العبادة بشرك، قال الله تعالى: {َاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} [الزمر:٢].

وقال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:٥] بل إن من السنة التي ماتت ولا بد للإنسان أن يحييها أنه عندما يريد أن ينام أن يقرأ سورة {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:١]، فإذا أخذ مضجعه فليقرأ هذه السورة، وهي تعدل ربع القرآن، كما بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فقال: (فإذا أخذ أحدكم مضجعه فليقرأ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:١]) وذلك لأن فيها التوحيد المحض والبراءة من كل شرك، فهذا أيضاً مما أمر الله فيه عباده بالتوحيد الخالص والابتعاد عن الشرك.

ولو أن رجلاً جاء الآن فعبد عيسى، أو عبد موسى، أو عبد محمداً صلى الله عليه وسلم، وذهب إلى قبورهم يدعوهم لتفريج الكربات أو لرفع الزلات أو لإعطاء الحسنات، فلو فعل ذلك لقلنا له: أنت وأبو جهل سواء؛ لأنه صرف عبادة لا يستحقها إلا الله لغير الله، فأفعال الجاهلية التي جاء الشرع بنبذها هي: صرف ألوان الدعاء لغير الله؛ لأنه قد ثبت بالشرع أن الدعاء عبادة، فصرفه لله توحيد، وصرفه لغير الله شرك.

وقد كانوا -كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية - يذهبون إلى القبور يستسقون بها، ويستغيثون بأصحابها، ويتبركون بترابها، ويسألون كشف الكربات ويرفعون الحاجات إليهم؛ حتى تسد هذه الحاجات، كما يذهبون إلى قبر الجيلاني وقبر البدوي وقبر أبي العباس وأبي الدرداء والحسن والحسين، فيسألونهم من دون الله جل في علاه، فشابهوا وضاهوا أهل الكفر في أفعالهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>