للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم تعليق التمائم]

أما من يعلق التميمة من الخرز وغيره لدفع العين ودفع الحسد عن المولود، فلا يقال: إنه يكفر كفراً يخرجه من الملة، ولا يقال: إنه قد فعل فعلاً من أفعال الجاهلية، لكنه على الإسلام، وهو جاهل لذلك، بل إن المسألة فيها تفصيل، فيقال: إن كان يعتقد أنها تنفع بذاتها أو تضر بذاتها فهذا من الشرك الأكبر، أي: لو قال: إن الخرز أو الودعة التي توضع في عنق الطفل تدفع الحسد والعين بذاتها فهذا شرك أكبر؛ لأنه قد اعتقد في غير الله ما لا يعتقد إلا في الله، فإن النافع والضار هو الله، قال الله تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ} [يونس:١٠٧]، وقال الله تعالى {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزمر:٣٦].

وقد بين تعالى أن قمة التوكل أن يعلم الإنسان أن النافع والضار هو الله، فقال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران:١٧٣]، ثم قال تعالى: {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ} [آل عمران:١٧٤]، وقال ابن عباس: (حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم حين ألقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا له: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً} [آل عمران:١٧٣]، فإذا انقلب القلب من التوكل على الله جل في علاه، إلى التوكل على الخرز والودعة وغيرهما فقد اعتقد في غير الله ما لا يعتقد إلا في الله، وهذا شرك أكبر، ومنه الذبح على السيارة أو على مكائن المصنع؛ ليستجلب بها الرزق، ويبعد النحس، فهذا أيضاً شرك أكبر في الربوبية، ويمكن أن يقال: إنه شرك في الإلهية، فإن الله هو الذي يجلب الرزق، وهو الذي يمنعه سبحانه وتعالى، وهو شرك في الإلهية من حيث إنها عبادة صرفت لغير الله، لكن قد يقال: تعليق الخرز أو النعل ليس فيه صرف للعبادة إلى غير الله، وذلك لا يلبس على نقاء هذه العقيدة الصافية، وهي عقيدة النبي صلى الله عليه وسلم، وعقيدة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الله قال عن هذه العقيدة: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:٩]، وهذه العقيدة حفظها الله جل في علاه، ويخلق لها أناساً يحفظونها، كـ أحمد بن حنبل الذي قام مقام الأمة بأسرها عند فتنة القول بخلق القرآن، ووجد علماء ألبوا على الإمام أحمد المعتصم والمأمون والواثق، فهؤلاء ثلاثة خلفاء عاصرهم الإمام أحمد بن حنبل وهو يقف صابراً محتسباً؛ لتصحيح هذه العقيدة، وهذه العقيدة تصاب الآن بشرك في الربوبية وشرك في الإلهية، فعلى كل طالب علم أن يعرف ذلك، حتى لا يلبس عليه الملبسون.

<<  <  ج: ص:  >  >>