للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عقيدة الأشاعرة والمعتزلة والمرجئة في حكمة الله تعالى والرد عليهم]

تقول الأشاعرة: إن الله لا يخلق لحكمة ولا يفعل لحكمة، وإنما يفعل ذلك بمحض المشيئة؛ لأن الله جل في علاه لو فعل لحكمة لكانت الحكمة أو الغرض أو العلة هي المحركة لله جل في علاه، ويكون الله عز وجل عرضة للأغراض، والله ليس بعرضة للأغراض.

قلنا: خسئتم بما قلتم فردوا على أنفسكم هذا القول، فإن الله له الحكمة البالغة، بل من صفات كمال الله جل في علاه أنه لا يفعل شيئاً ولا يخلق خلقاً ولا يأمر أمراً إلا بحكمة بالغة، قال الله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا * يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الإنسان:٣٠ - ٣١].

أي: أن الله جل في علاه يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات الجنات، وأما الذين ظلموا فأعد لهم عذاباً أليماً، وهذا بحكمته وعلمه جل في علاه.

وقد اتفق المعتزلة والأشاعرة على أن الله جل وعلا يفعل لا لحكمة، ولكن يفعل لمجرد ومحض المشيئة.

وأما المرجئة فقالوا: إن الله لا يفعل لحكمة؛ لأن الله لا يفرق بين مختلفين ولا يساوي بين متماثلين، بل الكل عنده سواء وهذا قدح في الحكمة؛ لأنهم قالوا: لا يضر مع الإيمان ذنب ولا ينفع مع الكفر طاعة.

فنقول: إن هؤلاء قدحوا في حكمة الله؛ لأنهم جعلوا كل الناس سواسية، فجبريل كـ أبي بكر، وأبو بكر كآحاد الناس، والمذنب الفاسق الفاجر الذي يشرب الخمر كالذي يقوم الليل ويصوم النهار، فالكل عندهم سواء ماداموا يقولون: لا إله إلا الله؛ لأنه لا يضر مع الإيمان ذنب، فهنا قدحوا في حكمة الله، والله جل في علاه يقول: {أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص:٢٨]، إن الله جل وعلا لا يمكن أن يسوي بين المختلفين، وقال الله تعالى في سورة (ن) {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم:٣٥ - ٣٦]، ولذلك قلنا: إن من رفعة هذه الأمة أنهم ينزلون الناس منازلهم، فقد أمرنا أن ننزل الناس منازلهم، ولا يعرف لأهل الفضل فضلهم إلا أهل الفضل، وأهل السنة والجماعة صفت لهم عقيدتهم؛ لأنهم اعتقدوا بأن الله جل في علاه لم يخلق خلقاً إلا لحكمة بليغة، ولم يأمر أمراً إلا وفيه المصلحة الراجحة، ولم ينه عن شيء إلا وفيه المفسدة الراجحة.

<<  <  ج: ص:  >  >>