للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إبليس أول من قاس قياساً فاسداً

إن إبليس عندما أمره الله جل في علاه أن اسجد لآدم في قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة:٣٤]، ومن ضمن العلل التي تعلل بها إبليس في عدم سجوده لآدم: أنه قاس قياساً فاسداً هو عنده قياس صحيح، والحقيقة أنه فاسد الاعتبار؛ لأنه صادم أمراً من أوامر الله جل في علاه, وأنت مخلوق لله فعليك أن تقول: سمعت وأطعت, وعليك أن تستسلم لأوامر الله جل في علاه, وإلا اتهمت بالكبر في قلبك, فإذا قال لك الله: اسجد, فلا بد أن تقول: سمعت وأطعت, لكنه قال: لا أسجد، ورد على الله أمره, ثم علل ذلك متعذراً بقياس فاسد, {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف:١٢]، وكأنه يقول النار خير من الطين، إذ قال: أنا خير منه؛ لأنك خلقتني من مادة النار وخلقته من مادة الطين, وهذا قياس فاسد؛ لأنه رد به أمر الله جل في علاه, ولذلك ما من مبتدع تدعوه إلى الله ورسوله إلا رد كلام النبي صلى الله عليه وسلم بأهوائه وبعقله، كما أن أحدهم قيل له: إن حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) رواه البخاري ومسلم، فقال: لو رأى البخاري ما تفعله تاتشر ما قال هذا الكلام؛ رداً على حديث النبي صلى الله عليه وسلم.

وغيره يقال له: إن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة وعمرها ست سنوات, فيقول: لا يمكن أن أقبل ذلك؛ إن لي عقلاً أفكر به، فيضرب حديث النبي صلى الله عليه وسلم, ويضرب شرع الله جل في علاه بالأهواء العاطلة, والقياسات الباطلة, وإمامه في ذلك إبليس, وإن كانت نيته حسنه, فقد قالوا لـ ابن مسعود: يا أبا عبد الرحمن: والله ما أردنا إلا الخير, فقال: وكم من مريد للخير لم يبلغه.

فاجتهد كيفما شئت ليلاً نهاراً, وصم النهار وقم الليل, فإن لم يكن ذلك على شرع الله جل في علاه فأنت منبوذ مطرود من رحمة الله جل في علاه.

إذاً: فإبليس قاس قياساً فاسداً، وقال: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف:١٢] وقلنا: هذا فاسد, لأنه رد الشرع به, وأيضاً إذا حررت المقال ترى أن هذا القياس فيه من الأباطيل ما فيه: أولاً: أن النار فيها خفة، وهذه الخفة يتبعها الإفساد, وأما الطين ففيه الثبات والرصانة.

ثانياً: النار فيها الإحراق والإفساد, وأما الطين فإذا بذرت فيه البذر فإن الأرض تنبت وتثمر ففيها الخير, فالنار فيها الخفة والفساد, وأما الطين ففيه الرصانة وأيضاً فيه الخير.

وإبليس في نظره أن النار أفضل من الطين ويظهر بالحكمة والعقل الصحيح أن قياسه فاسد, وكفار العرب إمامهم وقدوتهم هو إبليس, ولذلك كفر من كفر من العرب, وكفر من كفر من الأمم السابقة بسبب هذه الأقيسة الفاسدة الباطلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>