للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أقسام العصمة]

العصمة تنقسم إلى قسمين: عصمة في الوحي وعصمة في الظاهر، فعصمة الوحي، أي: في الباطن في العقل والقلب، وعصمة الظاهر، أي: في الجوارح، والدليل على هذا التقسيم قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ} [المائدة:٦٧]، في سياق التبليغ، أذاً: فالسياق والسياق من المفسرات والمقيدات {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [المائدة:٦٧]، فالله جل وعلا هنا أثبت العصمة في سياق التبليغ، وأما عصمة الجوارح، فإن الله جل وعلا لم يثبت هذه العصمة تصريحاً للرسول، قال الله تعالى {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:١٤٤]، فذكر أن الرسول قد يقتل كما قتل يحيى وزكريا، وفي هذا بيان من الله جل وعلا أنه لا يعصم رسوله من إيذاء البشر له، والنبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد كسرت رباعيته، وكاد يقتل صلى الله عليه وسلم، وأصابه من الآلام والشدة ما لا يعلمه إلا الله جل في علاه، ولذلك لما ضُرب وألقيت عليه الحجارة وسال الدم من وجهه الشريف قال: (رحمة الله على أخي موسى قد صبر أكثر مما صبرت) فهو يبين أنه صبر على الشدة التي أصابته من أعداء الله جل في علاه.

إذاً: فالعصمة عصمتان: عصمة في التبليغ بالوحي، وهي عصمة باطنة في القلب والعقل، وهذه أثبتها الله ولا يمكن أن نردها؛ لأن الله قال {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:٦٧] في سياق التبليغ {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة:٦٧].

وأما بالنسبة للعصمة للظاهر والجوارح فإن الله يسلط أعداءه على أوليائه، لحكمة عظيمة وهي زيادة ورفعة درجات هؤلاء الأخيار الأفذاذ، وعند هذا التقسيم تنجلي الشبهة وينتهي الأمر، فهم قالوا: هذا قدح في العصمة وكيف يسلط اليهودي على النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقلنا: هل سلط على الوحي والقلب والتبليغ أم سلط على الجوارح؟ وهل كان النبي يقول القول الباطل أو يقول القول الذي لا يفقهه؟

الجواب

لا، فإن لبيد بن الأعصم سلط على رسول الله حتى كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخيل أنه أتى الشيء ولم يأتيه، وهذه في البدن وليست في القلب ولا في الوحي.

<<  <  ج: ص:  >  >>