للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المراد بالصلاة في قول النبي: يصلون عليكم وتصلون عليهم]

أيضاً من الأحاديث التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالسمع والطاعة قوله: (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم).

وقد يقال: كيف يصلون عليهم وهم قد ماتوا وصلي عليهم أصلاً؟

و

الجواب

أن الصلاة في هذا الحديث معناها: الدعاء، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم صل على آل أبي أوفى).

وتمام الحديث: (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تلعنونهم ويلعنونكم، فقالوا: يا رسول الله! أفلا ننابذهم بالسيف؟ أو قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال لا، ما صلوا)، وفي رواية قال: (لا، ما أقاموا فيكم الصلاة).

إذاً: فالله جل وعلا يأمر بالسمع والطاعة، والنبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالسمع والطاعة، ويبين أن هذا هو الشرع المتين الذي من أخذ به فاز وارتقى إلى رضوان الله جل في علاه.

لكن هل هذه الطاعة مطلقة أم هي مقيدة؟ والصحيح الراجح: أنها ليست مطلقة، بل هي طاعة مقيدة، فقد أشار الله جل في علاه إلى ذلك، وصرح بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.

فأما الإشارة في كلام الله فهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:٥٩]، ولم يقل: وأطيعوا أولي الأمر منكم، بل قال: ((وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ)) [النساء:٥٩]، فجعل طاعة أولياء الأمور من طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم أو من طاعة الله جل في علاه، وهذا التفسير هو تفسير أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه.

وأما التصريح فقد جاء في مسند أحمد بسند صحيح عنه صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)، فاسمع وأطع إلا في المعصية.

وفي الصحيح أيضاً عن ابن عمر مرفوعاً قال: (إنما الطاعة في المعروف)، وأيضاً في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (على المرء السمع والطاعة ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة).

إذاً: فهذه الطاعة طاعة مقيدة بطاعة الله وطاعة الرسول، فإن لم تكن هناك طاعة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم فلا سمع ولا طاعة، لكن بدون تشهير ولا تنقص من قدرهم في المحافل والمنابر وغيرها، فلا سمع ولا طاعة لكن دون الخروج عليهم، بل لا بد من التناصح، وهذا هو دأب الصالحين من أمراء الأمة.

فلما تولى أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه الخلافة قام خطيباً في الناس فقال: لي عليكم السمع والطاعة، ثم قال: أطيعوني ما أطعت الله فيكم.

ومفهوم المخالفة: إن لم أطع الله فيكم فلا طاعة لي عليكم.

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه: لي عليكم السمع والطاعة ما لم أعص الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

فالغرض المقصود: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أصل هذه الطاعة لاجتماع الأمة على كلمة رجل واحد بر أو فاجر، فقد أمرنا بالصلاة وبالقتال خلف البر والفاجر.

<<  <  ج: ص:  >  >>