للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إبطال هذا القياس]

والآن نرد على هؤلاء الذي يقولون بالقياس, فهنا فيشبهون علينا, ويقولون: إن عمر جاء النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: ادع لي, أليس هذا من خياركم؟ وقال: أبو بكر: ادع لي؟ وفعل ذلك عثمان، وعلي.

و

الجواب

ذلك على الرحب والسعة، ونحن نقبل ذلك, فهم جاءوا إلى رسول الله ليستغفر لهم, ويدعو لهم.

قالوا: إذاً: فالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته فعل ذلك, وأيضاً هو في قبره يفعل ذلك.

قلنا: لكنه قد مات, قالوا: لا، بل هو حي في قبره, قلنا: كيف؟ قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم بين أنه: (ما من أحد يسلم عليه إلا رد الله عليه روحه، فيرد عليه السلام) فما من أحد في مشارق الأرض ومغاربها إلا ويسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، إذاً: فلا يمكن أن تخلو ساعة من الساعات في السلام على النبي صلى الله عليه وسلم، فمفهوم هذا الكلام أنه حي في قبره كما كان حياً في حياته فيستغفر لهم, فيجوز للإنسان أن يذهب إلى قبر النبي ويقول: يا رسول الله! استغفر لي, يا رسول الله! ادع الله لي أن يرزقني الولد.

وهناك فرق بين أن يقول: يا رسول الله! ارزقني الولد, وبين أن يقول: يا رسول الله! ادع الله أن يرزقني الولد، وهو أن اللفظة الأولى شرك في الربوبية؛ لأنه اعتقد في النبي مالا يُعْتَقَدُ إلا في الله، فاعتقد أن رسول الله يستطيع أن يرزقه الولد, وهذا الأمر إنما هو بيد الله جل في علاه, فهذا شرك في الربوبية.

وهو أيضاً شرك في الألهية؛ لأن الدعاء عبادة لله، وهنا صرفها لغير الله، وكل عبادة ثبت في الشرع أنها عبادة فصرفها لله توحيد، وصرفها لغير الله شرك، فلو قال: يا رسول الله! ارزقني واغنني واشفني فقد كفر في الإلهية، فالدعاء لا يكون إلا لله قال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف:٥٥].

وأما اللفظة الثانية فهو يقول: نعوذ بالله من الشرك والكفران, وأنا أقول إن الله هو الخالق الرازق المدبر, ولا أدعو غير الله جل في علاه, ولكن أقول: يا رسول الله! ادع الله لي أن يغفر لي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حي في قبره كما هو حي في حياته, فقد جاءه كثير من الناس في حياته وقالوا له: استغفر لي, ادع لي، كما في الحديث: (أنه جاءته المرأة التي كانت تتكشف فقالت: يا رسول الله! ادع الله لي، فإني أصرع وأتكشف, فقال: لو شئت دعوت لك)، وهذا إقرار منه.

وأيضاً عكاشة بن محصن قال: (يا رسول الله! ادع الله لي أن أكون منهم)، ففعل رسول الله ذلك؛ لأنه كان حياً بين أظهرهم، والنبي صلى الله عليه وسلم الآن حي في قبره هم يقولون هذا.

فهذا الرجل اتخذ وسيلة لم يشرعها الله جل في علاه, ومع ذلك يقول: إن الله شرعها؛ لأن الله جل وعلا يقول: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء:٦٤]، ويقول: هذه الوسيلة مشروعة الآن, ونحن نتكلم الآن على هذه المسألة أن فيها قياس الحياة البرزخية على الحياة الدنيوية, فإما أن نقر هذا القياس وإما أن نبطل هذا القياس.

فنقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان حياً بين الصحابة وقد مات، والله جل وعلا يقول: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:٣٠]، وقال: {أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران:١٤٤]، فقالوا: إننا نبين لكم أنه حي في قبره, قلنا: هاتوا, قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من أحد يسلم علي إلا رد الله عليَّ روحي)، وهناك حديث ضعيف يستدلون به أيضاً، وهو: (حياتي خير لكم ومماتي خير لكم)، وهذا حديث باطل, ولكن الحديث الصحيح الذي نقر به هو: (ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه).

<<  <  ج: ص:  >  >>