للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[رد الكفار للقياسات الصحيحة التي ذكرها الله]

لقد ذكر الله القياس في قوله تعالى {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ} [آل عمران:٥٩]، فقاس عيسى بآدم، فكأن الله يقول لهم: لماذا عبدتم عيسى؟ وسيجيبون بإجابة واحدة وهي: لأنه لا أب له، وإن الله حل في مريم وأتت بعيسى، حاشا لله جل في علاه, فيقول الله رداً عليهم: عبدتموه لأنه ليس له أب فقط, فالأولى أن تعبدوا آدم فآدم ليس له أب وليس له أم.

فالله جل وعلا قاس لهم عيسى على آدم, وهذا قياس صحيح جلي، وهو قياس الأولى, فردوا القياس الصحيح, وقالوا: لا، إن عيسى غير آدم, من غير حجة، فردوا القياس الصحيح بأهوائهم؛ لأنهم أرادوا الكفر والضلال, فهذا من دأب أهل الجاهلية -والعياذ بالله- أن يردوا القياس الصحيح، ويقروا بالقياس الباطل.

قال الله جل وعلا: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران:٥٩]، فلم الاعتراض، ولم الكفر بهذا القياس الواضح؟! ومن القياسات الصحيحة التي ردها المشركون على الله جل في علاه: قياس إعادة الخلق على البداية, فالله في كتابه العزيز قاس المرجع والبعث بأول الخلق، قال الله تعالى: {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} [ق:١٥]، فالخلق الأول أهون عليه من الخلق الآخر وهو البعث، قال الله تعالى من أجل أن يبين القياس: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} [الأنبياء:١٠٤]، فقاس الإعادة على البداية, فهذا قياس من الله جل في علاه, وهو قياس بديع ظاهر جلي، إذ يقول لهم: إن الله الذي خلق الخلق الأول سيخلق الآخر, فالبعث كالمبتدأ, فقالوا: لا.

لابد أن نرد فقالوا: قل من يعيدنا, واعترضوا على النبي صلى كما قال الله تعالى: {فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا} [الإسراء:٥١].

ولما رأوا هذا القياس البديع, وأن الله بين لهم ذلك ردوه بمثل ضربوه: فأخذ أحدهم العظام وهي رميم ففركها, فأصبحت تراباً, فقال: من يحي هذه العظام وهي رميم، قال تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس:٧٨]، فرد الله عليه: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس:٧٩]، فنظروا إلى هذا القياس الصحيح فردوه ولم يقبلوه, فانظروا إلى أهل الضلال والأهواء كيف يردون القياسات الصحيحة طمساً للحقائق وتلبيساً على الناس، وأما القياسات الباطلة فيقرونها ويظهرونها على أنها هي الحق.

وردوا أيضاً القياس الصحيح للمعاد وإحياء البشر على إحياء الأرض, بجامع إحياء الموات, فقد كانت الأرض ميتة فأحياها الله, فالله جل وعلا أراد منهم أن يعتبروا، فهذه الأرض ميتة أمامكم، وبعد أن ينزل الله المطر تنبت وتحيا، قال الله تعالى: {وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [الحج:٥]، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فصلت:٣٩] وفي الآية الأخرى، قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [الحج:٦ - ٧] فهذا قياس ظاهر جداً.

وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: (أن البشر يفنون وتصير العظام رميماً، فيمطر الله مطراً كالمني)، وفي رواية: (كالطل، فينزل على الأرض فينبت البشر كالزرع) , ينبت ويحيا مرة أخرى, وهذا مثل إحياء هذه الأرض البور, فعندما نزل عليها الماء أحياها الله وأنبتت وربت.

وهذا القياس الصحيح لم يرضوا به بل وردوه وقالوا كما حكى الله عنهم: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية:٢٤]، فهذه هي عادات أهل الجاهلية, يقرون بالباطل ويدفعون الحق, فالأقيسة الصحيحة لا يرضون بها, والأقيسة الباطلة يرضون بها, والعياذ بالله من الخذلان, ونعوذ بالله من أن نفعل مثل ما فعل أهل الجاهلية.

فأنا أهيب بإخواني أن يهتموا بالعقيدة؛ لأن هذا هو محل التمييز بين طلبة العلم, وهو محل التمييز والرفعة عند الله من عدمها، فالزنا وشرب الخمر لا يساوي شيئاً بجانب الشرك الأصغر, فالشرك الأصغر أكبر من هذه الكبائر، فلم نوقع أنفسنا في هذا بالجهل منا, فلابد أن نتقي الله, وأن تكون عقيدتنا عقيدة نقية كما كانت عند صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم, وجزاكم الله عنا خيراً.

<<  <  ج: ص:  >  >>