للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيؤمنون بفتنة القبر و بعذاب القبر ونعيمه (١).

يقول شارح الطحاوية: (وقد تواترت الأخبار عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ثبوت عذاب القبر ونعيمه لمن كان لذلك أهلاً، وسؤال الملكين، فيجب اعتقاد ثبوت ذلك والإيمان به، ولا نتكلم في كيفيته؛ إذ ليس للعقل وقوف على كيفيته، لكونه لا عهد له بهذه الدار، والشرع لا يأتي بما تحيله العقول بل إن الشرع قد يأتي بما تحار فيه العقول، فإن عودة الروح إلى الجسد ليس على الوجه المعهود في الدنيا، بل تعاد اليه إعادة غير الإعادة المألوفة في الدنيا) (٢).

قال تعالى: {يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (٣١) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٢)} [سورة النحل:٣١ - ٣٢]. ووجه الدلالة في هذه الآية على نعيم القبر قوله: {تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ} حال توفيهم: {سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ}، وهم وإن كانوا لم يدخلوا الجنة التي عرضها السموات والأرض لكن دخلوا القبر الذي فيه نعيم الجنة.

(وقد وردت إشارات في القرآن تدل على عذاب القبر، وقد ترجم البخاري (٣) في كتاب الجنائز لعذاب القبر، فقال: باب ما جاء في عذاب القبر، وساق في الترجمة قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (٩٣)} [سورة الأنعام:٩٣]، وقوله تعالى {سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} [التوبة:١٠١]، وقوله تعالى: {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (٤٥) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (٤٦)} [سورة غافر:٤٥ - ٤٦].


(١) ابن تيمية، العقيدة الواسطية، ص ١٤٢، شرح صالح الفوزان، ط. السادسة، مكتبة المعارف، الرياض، ١٤١٣ هـ.
(٢) شرح العقيد الطحاوية لابن أبي العز (٢/ ٥٧٨)، تحقيق التركي والأرنؤوط، ط. الأولى، مؤسسة الرسالة، بيروت، ١٤٠٨ هـ.
(٣) محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي، أبو عبدالله البخاري، جبل الحفظ وإمام الدنيا في فقه الحديث من الحادية عشرة، مات سنة ست وخمسين في شوال وله ٦٢ سنة. تقريب التهذيب: ٤٠٤.

<<  <   >  >>