للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث السابع: الشفاعة]

ومما يدخل في الإيمان باليوم الآخر: الشفاعة، وهي نوعان: أحدهما: خاص بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، والثاني: عام له ولسائر النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

أما الشفاعة الخاصة بالنبي -صلى الله عليه وسلم-:

أولاً: الشفاعة العظمى التي تكون للقضاء بين الناس، وذلك أن الناس يوم القيامة يلحقهم من الكرب والهم والغم ما لا يطيقون، لأنهم يبقون خمسين ألف سنة، والشمس من فوق رؤوسهم، والعرق قد يلجم بعضهم فيجدون هماً وغماً وكرباً، فيطلبون من يشفع لهم إلى الله عز وجل فينجيهم من ذلك، فيلهمهم الله عز وجل أن يذهبوا إلى آدم الذي هو أبو البشر فيأتون إليه ويسألونه الشفاعة، ولكنه يعتذر بأنه عصى ربه في أكله من الشجرة التي حرم الله عليه أن يأكل منها، لأن مقام الشفاعة مقام عظيم يحتاج أن يكون الشافع فيه نزيهاً من كل شيء، لأنه شافع يريد أن يتوسط لغيره فإذا كان مذنباً كيف يمكن أن يكون شافع؟ .

فيذهب الناس إلى نوح -عليه الصلاة والسلام- ويطلبون منه الشفاعة، ولكنه يعتذر بأنه سأل ما ليس له به علم، وكان قد سأل الله تعالى أن ينحي ابنه الكافر من الغرق، فيعتذر، فيأتون إلى إبراهيم خليل الرحمن -عليه الصلاة والسلام-، فيعتذر بأنه كذب ثلاث كذبات، فيأتون إلى موسى -عليه الصلاة والسلام- بعد ذلك، فيعتذر بأنه قتل نفساً لم يؤمر بقتلها، ثم يأتون إلى عيسى -عليه الصلاة والسلام- فلا يعتذر، لكنه يعترف بفضل النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول لهم: اذهبوا إلى محمد

-صلى الله عليه وسلم- عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتون إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فيطلبون منه الشفاعة، فيشفع إلى الله عز وجل، فينزل الله عز وجل للقضاء بين العباد، وهذه الشفاعة تسمى الشفاعة العظمى، وهي من المقام المحمود الذي قال الله فيه: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (٧٩)} [الإسراء: ٧٩]، فيشفع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الله عز وجل، فينزل الله تعالى للقضاء بين عباده ويريحهم من هذا الموقف (١).

ثانياً: من الشفاعة الخاصة بالرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يشفع لأهل الجنة أن يدخلوا الجنة، فأهل الجنة إذا عبروا الصراط ووصلوا إلى باب الجنة وجدوه مغلقاً، فيشفع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الله بأن يفتح لهم باب الجنة، وقد أشار الله إلى هذه الشفاعة فقال تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [سورة الزمر: ٧٣]، ولم يقل: حتى إذا جاءوها فتحت، كما قال في النار: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [سورة الزمر: ٧١]، أما في أهل الجنة فقال: {وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا}؛ لأنها لا تفتح إلا بعد الشفاعة.

ثالثاً: شفاعته -صلى الله عليه وسلم- في عمه أبي طالب أن يخفف عنه العذاب.


(١) صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب الشفاعة، (٣/ ٥٣ - ٥٨ - مع شرح النووي).

<<  <   >  >>