للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفصل الثالث: الحقائق التي يشتملها الإيمان باليوم الآخر (١)

المبحث الأول: البعث (٢)

لقد عني القرآن بمشاهد يوم القيامة: البعث والحساب، والنعيم والعذاب، فلم يعد ذلك العالم الآخر الذي وعده الناس بعد هذا العالم الحاضر موصوفاً فحسب، بل عاد مصوراً محسوساً، وحياً متحركاً، وبارزاً شاخصاً، وعاش المسلمون في هذا العالم عيشة كامله، رأوا مشاهده، وتأثروا بها، وخفقت قلوبهم تارة، واقشعرت جلودهم تارة، وسري في نفوسهم الفزع مرة، وعاودهم الاطمئنان أخرى ومن ثم أصبحوا يعرفون هذا العالم كما ورد في الكتاب والسنة قبل اليوم الموعود.

هذا العالم بسيط كل البساطة، واضح وضوح العقيدة الإسلامية: موت وبعث، ونعيم وعذاب. فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم الجنة بما فيها من نعيم، وأما الذين كفروا وكذبوا بلقاء الله فلهم النار بما فيها من جحيم، ولا شفاعة هناك، ولا فدية من العذاب، ولا اختلال قيد شعرة في ميزان العدالة الدقيق، قال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨)} [سورة الزلزلة: ٧ - ٨].

إن القرآن يحدث المؤمنين عن اليوم الآخر، ويجسمه لهم كأنما يرونه اللحظة أمامهم، ويعيشون مشاهده الحية بوجدانهم. بل بلغ من إعجاز القرآن في تصوير مشاهد يوم القيامة أن يحس الإنسان كأنما يوم القيامة هو الحاضر الماثل، وكأنما الدنيا ماض قد انقضى وانطوى من زمان بعيد.

(إن الإيمان بالله واليوم الأخر يتضمن الإيمان بالمبدأ و المعاد، وهو الإيمان بالخلق والبعث كما جمع بينهما في قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (٨)} [البقرة: ٨]، وقال تعالى: {مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [لقمان: ٢٨]) (٣).

والمراد بالبعث المعاد الجسماني، وإحياء العباد في يوم المعاد. فإذا شاء الله تبارك وتعالى إعادة العباد وإحيائهم أمر إسرافيل فنفخ في الصور فتعود الأرواح إلى الأجساد، ويقوم الناس لرب العالمين {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (٦٨)} [الزُّمَر: ٦٨].

وقد أخبرنا الله تبارك وتعالى عن مشهد البعث فقال: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى


(١) انظر: أركان الإيمان، ص ٤٤ - ٦٣.
(٢) انظر: عمر الأشقر، اليوم الآخر - القيامة الكبرى، ص ٥١ - ٦٨، ط. السادسة، دار النفائس، الأردن، ١٤١٥ هـ.
(٣) ابن تيمية، الفتوى الحموية، ص ٣٥، تقديم: محمد حمزة، مطبعة المدني، مصر.

<<  <   >  >>