وهي آخر المراحل حيث يدخل أهل الجنة الجنة، ويدخل أهل النار النار.
وهنا نصل إلى نهاية المطاف .. نهاية الرحلة الطويلة التي بدأ طرف منها على الأرض في الحياة الدنيا، واليوم تصل إلى نهايتها بعد البعث والحشر والعرض والسؤال، قال تعالى: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (٢٩) فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ} [سورة الأعراف: ٢٩ - ٣٠].
هنا تكتمل الصورة، ويحق الحق، ويصل كل شيء إلى القرار. أما الذين استقاموا في حياتهم الدنيا على الطريق، فآمنوا بالله، والتزموا بأوامره وأيقنوا بيوم لقائه، فتجنبوا سخطه وسعوا إلى رضاه، وكدوا في سبيل ذلك وكدحوا، واحتملوا ما احتملوا من مشقة، وصبروا على ما لاقوا من الأذى والنصب في الطريق، فأولئك قد استحقوا رضوان الله وجنته، واستحقوا أن يصلوا إلى دار الأمان حيث لا شيء يقلق ولا شيء يخيف، ولا شيء ينغص النعيم: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (٥٦)} [الدخان: ٥٦].
وأما الذين كفروا وكذبوا، وأصروا على غيهم، وخالفوا أمر ربهم ورسله واستمتعوا في الحياة الدنيا بغير حق، وكدحوا ولكن للشيطان، وفرحوا بأعمالهم الخاطئة فطغوا بها وتجبروا، فقد استحقوا أن يصلوا إلى الجحيم، حيث لا موت ولا حياة، ولا يخفف عنهم ولو يوم من العذاب.
والجنة والنار موجودتان الآن قال تعالى -في النار-: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (١٣١)} [آل عمران: ١٣١]، والإعداد بمعنى التهيئة، وفي الجنة قال الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٣)} [آل عمران: ١٣٣]، والإعداد أيضأ بمعنى التهيئة.
وفي صحيح مسلم وغيره في قصة كسوف الشمس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قام يصلي فعرضت عليه الجنة والنار وشاهد الجنة حتى هم أن يتناول منها عنقوداً، ثم بدا له ألا يفعل -عليه الصلاة والسلام-، وشاهد النار ورأى فيها عمرو بن لحي الخزاعي يجر قصبه -يعني أمعاءه- في النار قد اندلقت من بطنه فهو يجرها -والعياذ بالله- في نار جهنم (١)، فدل ذلك على أن الجنة والنار موجودتان الآن.
(١) صحيح مسلم، كتاب الكسوف، باب ما عرض على النبي –صلى الله عليه وسلم- في صلاة الكسوف (٦/ ٢٠٦ - مع شرح النووي).