للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن طرق القرآن في تقرير المعاد (الإخبار بكمال قدرته الله تعالى ونفوذ مشيئته وأنه لا يعجزه شيء، فإعادة العباد بعد موتهم فرد من أفراد آثار قدرته، ومنها تذكيره العباد بالنشأة الأولى، وأن الذي أوجدهم ولم يكونوا شيئاً مذكوراً لابد أن يعيدهم كما بدأهم، ومنها إحياءه الأرض الهامدة الميتة بعد موتها وأن الذي أحياها سيحي الموتى. وقرر ذلك بقدرته على ما هو أكبر من ذلك وهو خلق السموات والأرض والمخلوقات العظيمة، وقرر ذلك بسعة علمه وكمال حكمته وأنه لا يليق به ولا يحسن أن يترك خلقه سدى مهملين لا يؤمرون ولا ينهون ولا يثابون ولا يعاقبون، وهذا طريق قرر به النبوة وأمر المعاد. ومما قرر به البعث: مجازاة المحسنين بإحسانهم والمسيئين بإساءتهم ما أخبر به من أيامه في الأمم الماضية والقرون الغابرة وكيف نجى الأنبياء وأتباعهم وأهلك المكذبين لهم المنكرين للبعث ونوع عليهم العقوبات وأحل بهم المثلات فهذا جزاء معجل ونموذج من جزاء الآخرة أراه الله عباده ليهلك من هلك عن بينه ويحيي من حي عن بينه. ومن ذلك ما أرى الله عباده من إحيائه الأموات في الدنيا، كما ذكره الله عن صاحب البقرة والألوف من بني إسرائيل، والذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها، وقصة إبراهيم الخليل والطيور، وإحياء عيسى بن مريم للأموات وغيره مما أراه الله عباده في هذه الدار ليعلموا أنه قوي ذو اقتدار وأن العباد لابد أن يردوا وأن القرار إما في الجنة أو النار، وهذه المعاني أبداها الله وأعادها في محال كثيرة والله أعلم) (١). ومن الأدلة المثبتة للبعث والنشور ما يلي:

أولاً: إخبار العليم الخبير بوقوع القيامة:

أعظم الأدلة الدالة على وقوع المعاد إخبار الله تبارك وتعالى بذلك، فمن آمن بالله، وصدق برسوله الذي أرسل، وكتابه الذي أنزل فلا مناص له من الإيمان بما أخبرنا به من البعث والنشور، والجزاء والحساب، والجنة والنار. وقد نوع الله تبارك وتعالى أساليب الإخبار ليكون أوقع في النفوس وآكد في القلوب.

ففي بعض المواضع يكون الحديث عنها خبراً مجرداً، قال تعالى: {اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (١١)} [الروم: ١١]، وقال تعالى: {وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا} [النور: ٦٤].

ومرة يؤكد وقوعها بـ"إن" كقوله تعالى: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ} [طه: ١٥]، ومرة بـ"إن" واللام، قال تعالى: {وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (٨٥)} [الحِجر: ٨٥]، وقال تعالى: {فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٥)} [العنكبوت: ٥].

وفي بعض المواضع ينفي الريب والشك عن وقوعها قال تعالى: {إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (٥٩)} [غافر: ٥٩].

وفي بعض الآيات يقسم الله تعالى على أنها آتية واقعة مرة بنفسه، قال تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [النساء: ٨٧]، ومرة بمخلوقاته العظيمة قال تعالى: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (١) فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (٢) فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (٣) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (٤) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (٥) وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (٦)} [سورة الذاريات: ١ - ٦].


(١) ابن سعدي، القواعد الحسان في تفسير القرآن، ص ١٥ - ١٦.

<<  <   >  >>