للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن عائشة -رضي الله عنها-: أن يهودية دخلت عليها فذكرت عذاب القبر، فقالت لها: أعاذك الله من عذاب القبر، فسألت عائشة الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن عذاب القبر، فقال: «نعم، عذاب القبر حق»، قالت عائشة -رضي الله عنها-: فما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد صلى إلا تعوذ من عذاب القبر (١).

وعن عبدالله بن عمر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي: إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة» (٢).

والعذاب في القبر على الروح في الأصل وربما يتصل بالبدن، ومع ذلك فإن كونه على الروح لا يعني أن البدن لا يناله منه شيء بل لابد أن يناله من هذا العذاب أو النعيم شيء وإن كان غير مباشر. واعلم أن العذاب والنعيم في القبر على عكس العذاب أو النعيم في الدنيا، فإن العذاب أو النعيم في الدنيا على البدن، وتتأثر به الروح، وفي البرزخ يكون النعيم أو العذاب على الروح، ويتأثر به البدن (٣).

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية (٤): "العذاب والنعيم على النفس والبدن جميعاً باتفاق أهل السنة والجماعة، تنعم النفس وتعذب منفردة عن البدن، وتعذب متصلة بالبدن، والبدن متصل بها، فيكون النعيم والعذاب عليهما في هذه الحال مجتمعين، كما يكون للروح منفردة عن البدن" (٥).

[٤ - الطور الرابع: حياته في الآخرة]

ثم تقوم الساعة، ويبعث الناس ويحشرون ويحاسبون على أعمالهم: {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (١٠٥) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (١٠٦) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (١٠٧) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (١٠٨)} [سورة هود: ١٠٥ - ١٠٨] [هود: ١٠٥ - ١٠٨].

والله تعالى حين أخبرنا بما يستقبلنا من الطورين الأخيرين ومهد للإيمان بهما بالطورين الأولين اللذين نراهما بأعيننا وهما: حياتنا ونحن أجنة في بطون أمهاتنا، وحياتنا هذه في الدنيا. فالخالق العظيم القادر الذي


(١) صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب ما جاء في عذاب القبر، فتح الباري (٣/ ٢٣١).
(٢) صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب الميت يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي (١/ ٣٤٣ - مع الفتح).
(٣) أركان الإيمان، ص ٤٢ - ٤٣. القيامة الصغرى، ص ٤٩.
(٤) هو شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني الدمشقي، الإمام العالم العلامة الفقيه، القدوة، وله المصنفات العظيمة، منها: منهاج السنة النبوية، ودرء تعارض العقل والنقل، والجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، والتدمرية، والواسطية، وغيرها، توفي عام ٧٢٨ هـ. انظر: ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب: ٢/ ٣٨٧، والبداية والنهاية: ١٤/ ١٤١، وشذرات: ٦/ ٨٠، والجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية خلال سبعة قرون، جمع محمد عزير شمس وعلي العمران.
(٥) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمة، (٤/ ٢٨٢)، جمع: عبدالرحمن بن قاسم، مكتبة ابن تيمية، مصر.

<<  <   >  >>