للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقد بالغ بعضهم في ذلك التفريق حتى جعل عورتها كعورة الرجل من السرة إلى الركبة! (١) وهذا هو الذي ينبغي أن يُنكر لأنه لا صحة له في الشرع! ولكن لا يكون ذلك حجة لرد ما ثبت في الشرع من التفريق بين الحرائر والإماء في ستر الوجه!


(١) هل يصح ما تناقلته كتب الفقه من أن عورة الأمة من السرة إلى الركبة؟ وما دليلهم على ذلك؟
لا يصح ما تناقلته كتب الفقه من أن عورة الأمة كعورة الرجل من السرة إلى الركبة، لأنه لا يوجد أصل صحيح يعتمد عليه في ذلك:
١) قال البيهقي في معرفة السنن والآثار (٢/ ٩٢): وأما الذي روي عن محمد بن كعب عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الرجل يشتري الجارية لا بأس أن ينظر إليها إلى عورتها، وعورتها ما بين معقد إزارها إلى ركبتها. فإنه إنما رواه عنه عيسى بن ميمون وصالح بن حسان وكلاهما ضعيف. اهـ
٢) استدلالهم بحديث عمرو بن شعيب؛ عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال "إذا زوج أحدكم عبده أمته أو أجيره فلا ينظرن إلى عورتها" أبو داود ٤/ ٦٤ (٤١١٣) وحسنه الألباني.
وهذا ليس فيه تحديد لعورتها، بل يصح هنا أن يقال إن عورتها عند سيدها بعد أن تزوجت كما ذكر بعض أهل العلم؛ كالمرأة مع محارمها. كما قال البيهقي في سننه الكبرى (٧/ ٩٤): والصحيح أنها لا تبدي لسيدها بعد ما زوجها ولا الحرة لذوي محارمها إلا ما يظهر منها في حال المهنة.
أما الرواية الأخرى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال" إذا زوج أحدكم خادمه - الخادم يراد به الأمة - عبده أو أجيره فلا ينظرن إلى ما دون السرة وفوق الركبة" أبو داود ٤/ ٦٤ (٤١١٤) وحسنه الألباني.
فهذا يؤول على ما تنظر إليه الأمة من سيدها بعد أن زوجها عبده أو أجيره، وليس ما ينظر إليه السيد منها، يشهد لهذا أن النضر بن شميل رواه عن سوار أبي حمزة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال" إذا زوج أحدكم عبده أمته أو أجيره فلا تنظر الأمة إلى شيء من عورته فإن ما تحت السرة إلى ركبته من العورة". سنن البيهقي الكبرى ٧/ ٩٤
قال البيهقي في سننه الكبرى (٢/ ٢٢٦): وسائر طرق هذا الحديث يدل وبعضها ينص على أن المراد به نهي الأمة عن النظر إلى عورة السيد بعد ما زوجت أو نهي الخادم من العبد أو الأجير عن النظر إلى عورة السيد بعد ما بلغا النكاح فيكون الخبر واردا في بيان مقدار العورة من الرجل لا في بيان مقدارها من الأمة. اهـ
يشهد لذلك أن بعضهم استشهد به في بيان مقدار عورة الرجل كما في نصب الراية لأحاديث الهداية (١/ ٢٩٨) وفي مغني المحتاج (١/ ١٨٥) حيث استشهد به ضمن الأحاديث التي تحدد مقدار عورة الرجل.
* قال الشيخ الألباني في الثمر المستطاب (١/ ٣٢٤) بعد أن بين عورة المرأة في الصلاة: واعلم أنه لا فرق في ذلك بين الحرة والأمة لعدم وجود دليل الفرق، نعم جاءت بعض الأحاديث في الفرق لكنها ضعيفة الأسانيد لا تقوم بها حجة وقد بين ضعفها الحافظ ابن حجر في (التلخيص) فليراجعها من شاء. اهـ
فعلم مما سبق أنه لا يصح ما تناقلته كتب الفقه من كون عورة الأمة في الصلاة كعورة الرجل، والصحيح أن عورة المرأة الحرة والأمة في الصلاة سواء، وإنما الفرق بين الحرائر والإماء في فرض الحجاب (تغطية الوجه) على الحرائر دون الإماء.

<<  <   >  >>