ومما يشهد لذلك ما أُثر عن سعيد بن المسيب أنه قال ليستأذن الرجل على أُمّة فإنما نزلت {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ} ... في ذلك. (١)
ولو كان المراد هو الاستئذان العام لجاء الأمر لهم بالاستئذان مطلقا دون تشبيهه باستئذان الذين من قبلهم. ولهذا قال الله تعالى أيضا في ختام هذه الآية {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.
وخلاصة ما سبق أن المعني بالخطاب في هذه الآية هم من يحل لهم الدخول على المرأة دون حجاب وليس الرجال الأحرار الأجانب الذين لا يحل لهم الدخول على النساء الحرائر، كما سبق من قول أبي بكر الجصاص: وهذا الحكم ثابت فيمن جرت عادته بالدخول بغير إذن. وقول الألوسي: وظاهر الآية مشروعية الاستئذان إذا أريد الدخول على المحارم.
- سابعا: ومن القرائن في الآية أن الأمر بغض البصر جاء فيها مبعضا بـ "من" التبعيضية أي الغض من البصر لا غض البصر كلّه، مما يدل أيضا على أن الأمر في هذه الآية متعلق بمن يحل لهم النظر، أما الرجال الأحرار الأجانب فقد سبق أن أنزل الله في سورة الأحزاب منعهم من النظر بالكلّية إلى النساء الأجنبيات الحرائر بضرب الحجاب بينهم ومنعهم من الدخول عليهن في البيوت - كما سبق بيان ذلك- ولحرص الشارع الحكيم على قطع أسباب الزنا أمر من أُبيح لهم الدخول والنظر الغضّ من البصر؛ سواء كان النظر للمحارم، أو
(١) تفسير ابن أبي حاتم ٨/ ٢٦٣٨، ابن جرير الطبري في تفسيره ١٨/ ١٦٥، ابن عبد البر في التمهيد.