غير الله ذَلِك قدرَة مُطلقَة وَالْقُدْرَة الَّتِي تحصل لبَعض الْعباد تكون على بعض أَسبَاب ذَلِك وَلِهَذَا قَالَ {وعَلى الْمَوْلُود لَهُ رزقهن وكسوتهن بِالْمَعْرُوفِ} فَلَيْسَ فِي الْمَخْلُوقَات مَا هُوَ وَحده سَبَب تَامّ لحُصُول الْمَطْلُوب فَمن ظن الِاسْتِغْنَاء بِالسَّبَبِ عَن التَّوَكُّل فقد ترك الْوَاجِب عَلَيْهِ من التَّوَكُّل وأخل بِوَاجِب التَّوْحِيد وَلِهَذَا يخذل هَؤُلَاءِ كَمَا أَن من دخل فِي التَّوَكُّل وَترك مَا أَمر بِهِ من الْأَسْبَاب فَهُوَ جَاهِل ظَالِم عَاص لله يتْرك مَا أمره بِهِ فان فعل الْمَأْمُور بِهِ عبَادَة الله قَالَ الله {فاعبده وتوكل عَلَيْهِ} {إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين}
وَفِي هَذَا رد على من جعل الْأَخْذ بِالسَّبَبِ نقصا أَو قدحا فِي التَّوْحِيد والتوكل وَأَن تَركه من كَمَال التَّوَكُّل وَهُوَ ملبوس عَلَيْهِم وَقد يقْتَرن بذلك اتِّبَاع الْهوى وميل النَّفس إِلَى البطالة وَلِهَذَا تجدعامة هَذَا الضَّرْب يتعلقون بِأَسْبَاب دون ذَلِك إِمَّا بالخلق رَغْبَة وَرَهْبَة وَإِمَّا أَن يتْركُوا وَاجِبَات أَو مستحبات أَنْفَع لَهُم من ذَلِك كمن يصرف همته فِي توكله إِلَى شِفَاء مَرضه بلادواء أَو نيل رزقه بِلَا سعى فقد يحصل لَهُ ذَلِك وَلَكِن كَانَت مُبَاشرَة الدَّوَاء وَالسَّعْي الْيَسِير وَصرف الهمة فِي عمل صَالح أَنْفَع لَهُ
وَفَوق هَؤُلَاءِ من يَجْعَل التَّوَكُّل والدعاد نقصا وانقطاعا عَن الْخَاصَّة أَن مُلَاحظَة مَا فرغ مِنْهُ فِي الْقدر هُوَ حَال الْخَاصَّة فقد قَالَ هَذَا {كلكُمْ جَائِع إِلَّا من أطعمته وكلكم عَار إِلَّا وَكسوته فاستطعموني أطْعمكُم واستكسوني أكسكم} وَإِنَّمَا غلطوا لظنهم أَن سبق التَّقْدِير بِمَنْع أَن يكون بِالسَّبَبِ الْمَأْمُور بِهِ كمن يتزندق فَيتْرك الْأَعْمَال الْوَاجِبَة بِنَاء على زن الْقدر قد سبق بِأَهْل السَّعَادَة والشقاوة أَو لم يعلم أَن الْقدر سبق بالأمور على ماهي عَلَيْهِ بِأَسْبَاب بهَا
وَطَائِفَة تظن أَن التَّوَكُّل إِنَّمَا هُوَ من مقامات الْخَاصَّة المتقربين بالنوافل وَكَذَلِكَ قَوْلهم فِي أَعمال الْقلب وتوابعها من الْحبّ والرجاء وَالْخَوْف وَالشُّكْر
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute