للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

[فصل]

الْإِنْسَان قد يستحضر ذنوبا فيتوب مِنْهَا وَقد يَتُوب تَوْبَة مُطلقَة لايستحضر مَعهَا ذنُوبه لَكِن إِذا كَانَت نِيَّته التَّوْبَة الْعَامَّة فهى تتَنَاوَل كل مَا يرَاهُ ذَنبا لِأَن التَّوْبَة الْعَامَّة تَتَضَمَّن عزما عَاما عَليّ فعل الْمَأْمُور وَترك الْمَحْظُور وككذلك تَتَضَمَّن ندما عَاما على كل مَحْظُور والندم سَوَاء قيل إِنَّه من بَاب الاعتقادات أَو من بَاب الإرادات أَو من الْأَلَم الَّذِي يلْحق النَّفس بِسَبَب فعل مَا يَضرهَا فَإِذا استشعر الْقلب أَنه فعل مَا يضرّهُ حصل لَهُ معرفَة بِأَن الَّذِي فعله كَانَ من السَّيِّئَات وَهَذَا من بَاب الاعتقادات أَو كَرَاهِيَة لما كَانَ فعله وَهُوَ من جنس الإرادات أَو حصل لَهُ أَذَى وغم لما كَانَ فعله وَهَذَا من بَاب الآلام كالغموم وَالْأَحْزَان كَمَا أَن الْفَرح وَالسُّرُور هُوَ من بَاب اللَّذَّات لَيْسَ من بَاب الاعتقادات والإرادات

وَمن قَالَ من الفلاسفة إِن اللَّذَّة هِيَ إِدْرَاك الملائم والألم وَهُوَ إِدْرَاك المنافر فقد غلط فَإِن اللَّذَّة والالم حالات يعقبان إِدْرَاك الملائم والمنافر فَإِن الْحبّ لما يلائمه كالطعام المشتهى لَهُ ثَلَاثَة أَحْوَال

أَحدهَا الْحبّ كالشهوة وَالثَّانِي هُوَ إِدْرَاك المحبوب كَأَكْل الطَّعَام وَالثَّالِث اللَّذَّة الْحَاصِلَة واللذة أَمر مُغَاير للشهوة وللذوق المشتهى بل هِيَ حَاصِلَة بالذوق المشتهى وَلَيْسَت نفس الذَّوْق وَكَذَلِكَ الْمَكْرُوه كالضرب فان كَرَاهَته شئ وحصوله شئ آخر والألم الْحَاصِل بِهِ شئ ثَالِث

إِذا عرف ذَلِك فَمن تَابَ تَوْبَة عَامَّة كَانَت مقتضية الغفران الذُّنُوب كلهَا وَإِن لم يستحضر أَعْيَان الذُّنُوب إِلَّا أَن يكون بعض الذُّنُوب لَو استحضره لم يتب مِنْهُ لقُوَّة إِرَادَته إِيَّاه أَو لاعْتِقَاده أَنه حسن لَيْسَ قبيحا فَمَا كَانَ لَو استحضره لم يتب مِنْهُ لم يدْخل فِي التَّوْبَة بِخِلَاف مَا لَو كَانَ لَو استحضره لتاب مِنْهُ فَإِنَّهُ يدْخل فِي عُمُوم التَّوْبَة

<<  <   >  >>