فتضروني وَلنْ تبلغوا نفعي فتنفعونني وَهُوَ مَعَ غناء عَن الْعَالمين أرسل إِلَيْهِم الرُّسُل بفضله سُبْحَانَهُ وَإِن كَانَ أوجب على نَفسه الرَّحْمَة وَحرم عَلَيْهَا الظُّلم فَهُوَ وَاقع لَا محَالة وَاجِب بِحكم إِيجَابه ووعده لَا أَن الْخلق يوجبون على الله شَيْئا أَو يحرمُونَ عَلَيْهِ شَيْئا بل هم أعجز من ذَلِك وكل نعْمَة مِنْهُ فضل وكل نقمة من عدل كَمَا فِي قَوْله فِي الحَدِيث فَمن وجد خيرا فليحمد الله وَمن وجد غير ذَلِك فَلَا يلو من إِلَّا نَفسه
فَمن أعرض عَن الْأَمر وَالنَّهْي والوعد والوعيد نَاظرا إِلَى الْقدر فقد ضل وَمن طلب الْمقَام بِالْأَمر وَالنَّهْي معرضًا عَن الْقدر فقد ضل بل لَا بُد من الْأَمريْنِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين} فنعبده اتبَاعا لِلْأَمْرِ ونستعينه إِيمَانًا بِالْقدرِ
فَكل عمل يعمله الْعَامِل وَلَا يكون طَاعَة وَعبادَة وَعَملا صَالحا فَهُوَ بَاطِل فَإِن الدُّنْيَا ملعونة مَلْعُون مَا فِيهَا إِلَّا مَا كَانَ لله وَلَو نَالَ بذلك الْعَمَل رياسة ومالا فغاية المترئس أَن يكون كفرعون وَغَايَة المتمول أَن يكون كقارون وَقد ذكر الله فِي سُورَة الْقَصَص من قصتهما مَا فِيهِ عِبْرَة لأولي الْأَلْبَاب
وكل عمل لَا يعين الله العَبْد عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يكون وَلَا يَقع فَمَا لَا يكون بِهِ لَا يكون وَمَا لَا يكون لَهُ لَا يَدُوم وَلَا ينفع فَلذَلِك أَمر العَبْد أَن يَقُول {إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين} فِي كل صَلَاة
وَلِلْعَبْدِ حالان حَال قبل الْقدر فَعَلَيهِ أَن يَسْتَعِين بِاللَّه ويتوكل عَلَيْهِ ويدعوه وَحَال بعد الْقدر فَعَلَيهِ أَن يحمد الله فِي الطَّاعَة ويصبر ويرضى فِي الْمُصِيبَة ويستغفر فِي الذَّنب وَفِي الطَّاعَة من النَّقْص ويشكره عَلَيْهَا إِذْ هِيَ من نعْمَته
فَينْظر إِلَى الْقدر عِنْد الْمُصِيبَة بعد وُقُوعهَا ويستغفر عِنْد الْمعْصِيَة قَالَ تَعَالَى لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فاصبر إِن وعد الله حق واستغفر لذنبك} وَقَالَ تَعَالَى {مَا أصَاب من مُصِيبَة فِي الأَرْض وَلَا فِي أَنفسكُم إِلَّا فِي كتاب من قبل أَن نبرأها إِن ذَلِك على الله يسير لكَي لَا تأسوا على مَا فاتكم وَلَا تفرحوا بِمَا آتَاكُم}