وَبَين هذَيْن طَائِفَتَانِ طَائِفَة من أهل الْكَلَام أقرُّوا بمعاد الْأَبدَان وَالْقِيَامَة الْكُبْرَى وأنكروا أَمر الرّوح فَلم يقرُّوا بِأَنَّهُ بعد الْمَوْت يكون فِي نعيم أَو عَذَاب
وَمِنْهُم من أقرّ بِالْعَذَابِ على الْبدن فَقَط دون الرّوح وَزعم أَن الرّوح هِيَ الْحَيَاة الَّتِي للبدن وَمِنْهُم من يقر بمعاد الرّوح فَقَط
وَطَائِفَة من المتفلسفة أقرُّوا بمعاد الْأَنْفس فَقَط دون الْأَبدَان وَكَفرُوا بِمَا جَاءَت بِهِ الرُّسُل
وَقد دخل مَعَ أُولَئِكَ من متكلمى الْإِثْبَات جمَاعَة كَالْقَاضِي أبي بكر بن الطّيب وَأَمْثَاله مِمَّن يزْعم أَن الرّوح لَيست جواهرا قَائِما لَكِنَّهَا عرض من أَعْرَاض الْبدن
وَمِنْهُم من جعل الرّوح جَزَاء من أَجزَاء الْبدن وَهُوَ الرّيح الَّذِي يدْخل الْبدن وَيخرج مِنْهُ البخار الَّذِي من الْقلب وَهَذِه الْأَقْوَال فَاسِدَة
وَالَّذِي عَلَيْهِ السّلف أَن الرّوح الَّتِي تقبض بِالْمَوْتِ لَيست هِيَ الْبدن وَلَا جُزْء مِنْهُ وَلَا صفة من صِفَاته بل هِيَ جَوْهَر قَائِم بِنَفسِهِ وَدَلَائِل الْكتاب وَالسّنة على ذَلِك كَثِيرَة جدا
لَكِن هَؤُلَاءِ مَعَ غلطهم وضلالهم أقرب إِلَى الْإِسْلَام مِمَّن قَالَ إِن هَذِه الرّوح لَيست دَاخل الْعَالم وَلَا خَارجه وَلَا تُوصَف بحركة وَلَا سُكُون وَلَا دُخُول وَلَا خُرُوج وَلَا تحول وَلَا انْتِقَال وَأَن الْمعَاد لَيْسَ إِلَّا لَهَا وَالْبدن لَا يُعَاد فَإِن إِنْكَار معاد الْأَبدَان كفر بَين وَقد علم من دين الْإِسْلَام فَسَاده وَأَن المكذبين بالمعاد مراغمون للرسل مراغمة بَيِّنَة كَمَا قد بسط فِي موصعه وَالله أعلم